لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠).
وتذكر الآيات الكريمة بعد ذلك مجموعة من أنبياء الله ورسله، وتبرز فى الوقت نفسه مجموعة من الصفات والمنح والعطايا من الله سبحانه لهم فموسى عليه السّلام كان مخلصا وكان رسولا نبيا وكلّمه الله ووهب له هارون نبيا يساعده على أمره قال تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣).
وهذا إسماعيل عليه السّلام تبرز الآيات الكريمة فيه صدق الوعد مع الرسالة والنبوة وأمره لأهله بالصلاة والزكاة وكان عند الله رضيا زاكيا صالحا، قال تعالى: وَاذْكُرْ
فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا
(٥٥).
فهذه مجموعة من الأخلاق التى تجعل الإنسان صالحا فى حياته مع الله وفى حياته مع الناس.
وهذا إدريس عليه السّلام يقول الله فيه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧).
وبعد ذكر هؤلاء الصفوة تفصيلا يذكرون إجمالا بإنعام الله عليهم: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) ومعنى ذلك أن هؤلاء التقوا بصلاحهم على تباعد ما بينهم من زمن وأنهم جميعا يشتركون فى صدق توجههم إلى ربهم وحسن تلقيهم لآيات الرحمن بالسجود والبكاء.
وبعد ذكر هؤلاء المخلصين يأتى الإخبار والتحذير من خلف أتى بعدهم، ولم يكن على حالهم فبدّلوا وغيروا وصاروا إلى فساد يتمثل فى إضاعة الصلاة ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع «١»، واتبعوا شهوات أنفسهم فنفوسهم ليس لها ضابط بتضييعهم للصلاة، واتباع شهوات النفس والإسراف فيها يزيدهم بعدا، وسيوقعهم فى العذاب

(١) قول لعمر، انظر: القرطبى ١١/ ١٢٢.


الصفحة التالية
Icon