هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢) أخرج البخارى رحمه الله وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا»؟
فنزلت:

وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ الآية، وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وكان ذلك الجواب لمحمد «١».
وبعد بيان هذه الحقائق السابقة وما يتنزل بأمر الله من الوحى، تذكر الآيات الكريمة مقالة الكافرين للذين آمنوا فى المقارنة بين فقراء أصحاب النبى صلّى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من خشونة فى العيش، والمشركين وما كانوا فيه من ترف، وخدعوا فى هذه المقارنة فلم يبصروا القيم التى تجعل الإنسان إنسانا كريما فرأوا أن أصحابهم أحسن مظهرا، ونسى هؤلاء سنة الله فى الإمهال، وأن من كان فى الضلالة مثلهم فليدعه فى طغيانه، جهله وكفره، ليجد مصيره الأليم وهذا غاية فى التهديد والوعيد، وهذا المصير قد يكون فى الدنيا فيعذبون بالنصر عليهم وقد يكون فى الآخرة، قال تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦).
وتقدم الآيات الكريمة بعد ذلك صورة من الغرور والجهل الذى كان عليه المشركون فقد روى الأئمة- واللفظ لمسلم- عن خباب قال: كان لى على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لى: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد، قال: فقلت له: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث، قال: وإنى لمبعوث من بعد الموت؟ فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد. قال وكيع: كذا قال الأعمش فنزلت هذه الآية: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وفى رواية قال: كنت قينا فى الجاهلية أى كان حدادا فعملت للعاص بن وائل عملا فأتيته أتقاضاه. خرّجه البخارى- أيضا- وقال الكلبى ومقاتل: «كان خباب قينا فصاغ للعاص حليّا ثم تقاضاه أجرته، فقال العاص: ما عندى اليوم ما أقضيك. فقال خباب: لست بمفارقك حتى تقضينى، فقال العاص: يا خباب مالك؟ ما كنت هكذا، وإن كنت لحسن الطلب فقال خباب: إنى كنت على دينك فأما اليوم فأنا على دين الإسلام مفارق لدينك. قال
(١) القرطبى ١١/ ١٤٥، ١٤٦.


الصفحة التالية
Icon