طه فقرأها فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خبّاب خرج إليه، فقال له: يا عمر والله إنى لأرجو أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه فإنى سمعته أمس وهو يقول: «اللهم أيّد الإسلام بأبى الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب» فالله الله يا عمر. فقال له عند ذلك: فدلنى يا خبّاب على محمد حتى آتيه فأسلم، وذكر الحديث «١».
وعلى ذلك فإن سورة «طه» مكية نزلت قبل إسلام عمر رضي الله عنه وأما ما ذكره بعض الناس من أن الآيتين الكريمتين: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠) وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١). مدنيّتان فليس لهذا القول دليل يعتدّ به، وقد أشار إلى ذلك القرطبى رحمه الله فى مسألة ذكر فيها قول ابن عطية فقال القرطبى: «قال بعض الناس: سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: نزل ضيف برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأرسلنى عليه الصلاة والسلام إلى رجل من اليهود، وقال: قل له يقول لك محمد: نزل بنا ضيف ولم يلف عندنا بعض الذى يصلحه فبعنى كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفنى إلى هلال رجب»، فقال: لا، إلا برهن. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:
«والله إنى لأمين فى السماء، أمين فى الأرض، ولو أسلفنى أو باعنى لأدّيت إليه، اذهب بدرعى إليه» ونزلت الآية تعزية له عن الدنيا، قال ابن عطية: وهذا معترض أن يكون سببا؛ لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية فى آخر عمر النبى صلّى الله عليه وسلم؛ لأنه مات ودرعه مرهونة عند يهودى بهذه القصة التى ذكرت وإنما الظاهر أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك أن الله تعالى وبّخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة ثم توعّدهم بالعذاب المؤجّل، ثم أمر نبيه بالاحتقار بشأنهم والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم وما فى أيديهم من الدنيا، إذ ذلك منصرم عنهم صائر إلى خزى «٢».
وعند ما نتناول ما تضمنته سورة «طه» من المعانى على ترتيب نزولها فأول ما نظفر به من هذه المعانى، ما خوطب به النبى صلّى الله عليه وسلم من بيان خصائص الوحى المنزل عليه، وأنه يرفع الحرج ويدفع المشقة وهو اليسر كلّه ومع بيان الغاية من تنزيل القرآن الكريم، وأنه تذكرة يأتى البيان بأن أهل التذكرة والانتفاع به هم أهل
الخشية. كما يأتى البيان الذى يطمئن الناس على كمال هذا الوحى وشموله وعلاجه لما خفى وما ظهر، وهدايته العامة
(٢) القرطبى ١١/ ٢٦٢.