إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦).
ومن بيان أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم يختارون لتبليغ رسالات الله وتشملهم عنايته ورعايته فى جميع أحوالهم، وحياتهم يأتى ذكر منّة الله على موسى عليه السّلام طفلا حيث أنقذه من عدو الله فرعون وعدو موسى الذى أراد ذبحه باعتباره طفلا من أطفال بنى إسرائيل، وأما كيف تم الإنقاذ؟ فإنه توجيه آخر لبيان كيفية إنفاذ الله لما يريد بقدرته وكيف يتم المراد بالإمهال على عكس ما يتصور البشر، فإلقاء الطفل فى التابوت ثم إلقاؤه فى اليم ثم وصول التابوت إلى مصدر الخطر. كل ذلك فى نظر الناس إلقاء بالنفس إلى التهلكة، ولكن مع رعاية الله سبحانه تتحول المخاطر إلى وسائل للنجاة فألقى الله المحبة فى قلب زوج فرعون ليلغى الأمر بالذبح، وحرّم الله عليه المراضع ودلّت أخته على أمّه باعتبارها مرضعة لا تعرفه ليتحقق وعد الله، ويعود موسى إلى أمه. كما يذكّر الله سبحانه بما يدل على عنايته به فى حياته إذ نجاه من القتل عند ما وكز الرجل، وكان فيها القضاء وكيف رعاه وهو فى أهل مدين ليجد أهلا وترحيبا وأمنا.
كل هذه النعم دلالة على الاختيار للرسل وفيه ما يطمئن المرسل إليهم إلى اصطفاء الله لرسلهم، قال تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١).
ومع ذكر مظاهر عناية الله بالمرسلين فى حياتهم كلها، وذكّر الله نبيه موسى عليه السّلام بذلك. تذكر الآيات الكريمة بعد هذا تكليف موسى وأخيه بالذهاب إلى فرعون، ومداومة ذكر الله سبحانه مع بيان منهج الدعوة الذى ييسر للمدعو سبيل التذكر والخشية، وهو القول الليّن الذى يجعل المستمع فى هدوء أما القول المعبر عن الشدة فإنه يشغل المدعو بمواجهة الداعى، ولا يترك له فرصة التفكير فيما يدعى إليه.
ولكن قد يحدث أن يكون المدعو فى قمة الطغيان التى يتوقع معها أن يفرط على الداعى، ويكون سبيل الأمان أن يستشعر الداعى إلى الله سبحانه أن الله معه يسمع ويرى، كما تبين الآيات الكريمة بعد هذا الأهداف التى من أجلها يبعث الرسل والمذكور منها- هنا- إنقاذ البشر من ظلم الطغاة، وإشاعة السلام بين الناس باتباع الهدى، وإنذارهم من التكذيب والإعراض، ومواجهة المدعوين بالحجة وبيان ما غمض عليهم