الموقف الذى يتراءى فيه الجمعان: جمع الطغاة، وجمع المؤمنين ويخشى المؤمنون الموقف، ولكن موسى يطمئنهم: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)، ويكون الأمر بضرب البحر بالعصا لتتحقق هذه الآية العظيمة فى وجود الطريق بين جبلين من الماء الجامد لينجو المؤمنون بهذا الطريق، ويعود البحر إلى حالته الأولى لإغراق الظالمين. قال تعالى:
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
(٦٨).
ثم تقدم الآيات الكريمة المنزلة بعد هذا ما كان من نبأ إبراهيم عليه السّلام مع أبيه وقومه ومواجهتهم فى العبادة، وبيان بطلان ما هم عليه بيانا عقليا ليجدوا أنفسهم فى دائرة التقليد الأعمى للآباء فحسب. قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧).
ويعرّف إبراهيم عليه السّلام الناس بمجموعة من النعم التى تغمرهم، وينبّه إلى مجموعة من الأمور التى ينبغى أن يحرص الناس عليها وأن يشتغلوا بتحقيقها، وأن يتضرعوا إلى الله ليعينهم على تحقيقها. فهو سبحانه الذى خلق، وهو الذى يهدى، وهو الذى يطعم ويسقى، وهو الذى يشفى إذا قدّر المرض، وهو الذى يميت، وهو الذى يحيى وهو الذى يرجى فى التطهر من الخطايا لخطورتها فى الدنيا وفى يوم الدين. فهذه ينعم بها عباد الله وعليهم أن يجتهدوا فيما يحقق لهم سعادة الدنيا والآخرة من طلب العلم النافع الذى جاء فى وحى الله، وأن يجد نفسه مع الصالحين، وأن تكون آثاره فى الناس طيبة ليجد الذكر الحسن، وأن يكون من أهل الجنة، وأن يدرك واجبه نحو والديه فى طلب المغفرة والرحمة لهما، وكان دعاء إبراهيم بالمغفرة لأبيه عن موعدة وعدها إياه. ومن الأمور التى يحرص عليها كذلك ويدركها الناس من دعاء إبراهيم عليه السّلام أن يجنّب الله الإنسان الخزى يوم يبعثون وذلك بتجنيب أسباب الخزى وأن هذا اليوم لا