الشعر، أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا، ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى، فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله؛ وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «أصدق كلمة- أو أشعر كلمة- قالتها العرب قول لبيد: ألا كلّ شىء ما خلا الله باطل» أخرجه مسلم وزاد: «وكاد أمية بن أبى الصلت أن يسلم» وروى عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه: مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر. فقال: ويلك يا لكع، وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا فى القوافى، فحسنه حسن وقبيحه قبيح.
وأما ما رواه مسلم رحمه الله عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يملئ شعرا» وفى الصحيح- أيضا- على أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «خذوا الشيطان- أو أمسكوا الشيطان- لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» فإن للعلماء توجيها لهذا قالوا فيه: إنما فعل النبى صلّى الله عليه وسلم هذا مع هذا الشاعر لما علم من حاله، فلعلّ هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله أنه قد اتخذ الشعر طريقا للتكسب فيفرط فى المدح إذا أعطى، وفى الهجو والذم إذا منع، فيؤذى الناس فى أموالهم وأعراضهم ولا خلاف فى أن من كان على مثل هذه الحالة، فكلّ ما يكتسبه بالشعر حرام، وكل ما يقوله من ذلك حرام عليه، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه.
وقيل كذلك: إن الذى غلب عليه الشعر وامتلأ صدره منه دون علم سواه، ولا شىء من الذكر ممن يخوض به فى الباطل، ويسلك به مسالك لا تحمد له، كالمكثر من اللغط والهذر والغيبة وقبيح القول، ومن كان الغالب عليه الشعر لزمته هذه الأوصاف المذمومة الدنية لحكم العادة الأدبية، وهذا المعنى هو الذى أشار إليه البخارى فى صحيحه لما بوّب على هذا الحديث: «باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر».
وقد ذكرت الآيات الكريمة تعليلا لمذمة الشعراء الذين يتبعهم الغاوون فى أنهم فى كل لغو يخوضون، ولا يتبعون سنن الحق لأن من اتّبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما