لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١).
ومع ذكر موقف القائد من جنده فى تفقدهم وتعويدهم النظام فيما يعملون وكيف فصّل سليمان عليه السّلام العقوبة المتوقعة لصنيع الهدهد. ولكنّ الهدهد جاء بعلم لم يحط به نبىّ الله سليمان عليه السّلام وهو فى صالح الدعوة وعلى ذلك يدفع الهدهد عن نفسه العقوبة التى فصّلت فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣). وهذه المرأة التى ملّكت وآتاها الله من كل شىء ومكّن لها. كان الموقف الذى يراه الهدهد ضروريا ومناسبا أن تعرف الله وحده وأن تخلص العبودية له ولكنّه وجدها على غير ذلك وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦). وهذا الإحساس من الهدهد التابع لمملكة سليمان عليه السّلام يدل على معرفة يقينية بما ينبغى من العباد نحو الإله الحق سبحانه، ومن المخلوق نحو الخالق جل جلاله وأن الهدهد يعرف من حياته كيف يسّر الله له ولأمثاله من الطيور إخراج الخفىّ من الأرض، وأنّ علم الغيب لله وحده ويطلع عليه من شاء من خلقه.
والموقف التعليمى الآخر الذى يتمثل فى تلقى القائد للأخبار وأنّ عليه أن يتثبت من صحة الخبر الذى يلقى إليه، وأن يسلك السبيل إلى اليقين فى الأخبار ولذلك كان موقف سليمان عليه السّلام: قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ (٢٨)، وإذا كان هذا الموقف يمثل الحال فى مملكة الإيمان والاستقامة على وحى الله فللقائد أن يتفقد وله أن يحاسب، وللجند أن يعبر عن موقفه وأن يدافع عن نفسه، وأن القائد والجند يغارون على دين الله، فإن الحال فى المملكة التى لا تعرف التوحيد على غير هذا يتبين ذلك فى موقف الملكة مع رعيتها: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)، بعد أن قرأت الرسالة ووصفت الكتاب بأنه كريم وأنه من سليمان وفيه التصدير بالرحمة والدعوة إلى الله وعدم الكبر طلبت منهم الرأى: قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (٣٣).
وهذا الموقف ليس مستقيما؛ لأنها طلبت رأيهم وماذا تصنع، ولم يعطوا لها رأيا