وشمل ذلك أصحابه تعذيبا وتحريقا وقتلا. وواجهوه وأصحابه بالفتنة فى الأموال مغالاة ومقاطعة ومصادرة إلى درجة شاقة جعلت خبابا يقول للرسول صلّى الله عليه وسلم: ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ ويجيبه الرسول صلّى الله عليه وسلم: «إن الرجل ممن قبلكم كان يؤخذ فتحفر له الحفرة، ويوضع فيها ويجعل السيف على رأسه فيشقّ نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يزيده ذلك إلا تمسكا بدينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
كما واجهوه وأصحابه بالسخرية والاستهزاء، والمساومة والإغراء، والقتال المنظم وكان ذلك شاقا، ويحتاج إلى تثبيت قلب النبى صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، وأن يشعروا دائما أن الله معهم، والوحى يؤيدهم ويوجههم.
كما واجهه صلّى الله عليه وسلم أهل الكتاب من اليهود والنصارى بعداءات انطلقت من حقد قلوب عرفت الحق فجحدته، ووجهت تحدياتهم بعلم مصحوب بتحريف وتغيير وتبديل، فبعد أن ذهب حيىّ بن أخطب وأخوه أبو ياسر إلى النبى صلّى الله عليه وسلم وعادا كالّين كسلانين ساقطين، سمعت السيدة صفية عمها أبا ياسر يقول لأخيه حيى: أهو هو؟، قال: نعم، والله إنه هو. قال: أتعرفه وتثبته، قال: نعم. قال فما فى نفسك منه؟ قال: عداوته ما بقيت.
وكان فى مواجهة هذه العداوة وصورها حاجة إلى تثبيت وتوجيه وبيان للحق الذى يحرف.
وواجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحديات أخرى من الفئة الثالثة التى أظهرت الإسلام وأبطنت الكفر وعاشت على النفاق، ووضعت يدها فى يد أعداء النبى صلّى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب، وصاروا الداء الخبيث الذى يعمل داخل الأمة فى خفاء، ولا يحجم عن الظهور بالأعمال الصالحة التى يخفى وراءها تدبيرا قاتلا.
كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يواجه كل هؤلاء مجتمعين ومتفرقين، وكان مع هذه المواجهة فى حاجة إلى تثبيت قلبه ليمضى في تبليغ رسالة ربه، ولا يخفى ما فى تكرر نزول جبريل عليه بالقرآن من شد الأزر وتثبيت القلب وتفريج الكرب وإذهاب الحزن كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الفرقان: ٣٢]. كما أن ما يتعلق بالنبى صلّى الله عليه وسلم فى نزول القرآن الكريم مفرقا يظهر جليا فى تيسير الحفظ والترتيل، وتجدد الإعجاز والتدرج فى تربية الأمة تعليما ورعايتها عملا وسلوكا. ولنتدبر إلى بعض هذه التوجيهات القرآنية فى مواقف متكررة من حياة