حاجة إلى مجموعة من العناصر التى يتم بها العلاج فهى فى حاجة إلى تصحيح نظرتها إلى الحياة وفى حاجة إلى الإيمان بخالق الحياة، وفى حاجة إلى تخليص هذا الإيمان من مظاهر الشرك وفى حاجة إلى بيان عاقبة الإنسان مع الابتلاء بالشر والخير. وكل هذا لا يتم جملة بل تنزل آيات تفصل فى مفهوم الإيمان وتبينه، وآيات بعد ذلك تبين حقيقة الابتلاء ومجالاته، وآيات تقدم نماذج سابقة لمن وقع فى البلاء بنوعيه، ونماذج ممن نجح فى الابتلاء، ونماذج لم توفق، وعاقبة النموذجين، والأخذ بأيدى الناس فى مواقف عملية يعقب عليها بآيات قرآنية لنخرج من هذه العناصر المترابطة ببناء النفسية القوية فى إيمانها، والقوية فى مواجهتها. فهذه الخنساء مع قولين لها ندرك كيف تغيرت المفاهيم؟
وكيف تغيرت المواجهة لعنصر من عناصر الابتلاء؟ قالت فى جاهليتها فى رثاء أخيها:

يذكرنى طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولى على إخوانهم لقتلت نفسى
وقالت فى إسلامها تعقيبا على استشهاد أبنائها الأربعة: الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم جميعا، وأرجو من ربى أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته. فالنفسية الأولى جزعة يصل بها الجزع إلى الحزن القاتل والتفكير فى التخلص من الحياة؛ وذلك لأن مفهوم الحياة مفهوم «جاهلى» كما سبق، وحقيقة الموت غير واضحة، والإيمان بالخالق سبحانه والبعث والجزاء ليس متحققا فى نفوسهم فكم من الوقت، وكم من التوجيهات، وكم من الجهد يبذل لتصل النفس إلى الإيمان الذى يعد صاحبه الموت فى سبيل الله شرفا، وأن الشهادة والموت لا يفرق تفريقا لا لقاء بعده، بل هناك الجمع واللقاء، والأمل أن يجمع الله الخنساء بأبنائها فى مستقر رحمته.
الجانب الثالث: والمتصل بالتربية: أن تفاعل الناس مع الوحى وظهور مشكلات ذهنية أو اجتماعية أو خصومات فيما بينهم كل ذلك يحتاج إلى تنزلات الوحى ليجيب عن سؤال سائل، أو ليعالج مشكلة وقعت، أو ليبين وجه الحق فى موقف من المواقف، وكل هذه أساليب تربوية تثبت المعانى حيث يعرف السؤال أو الموقف بجوانبه ويعرف الجواب فيعلق ذلك ليستفاد منه وقت النزول وبعده عند حدوث النظير والمشابه من الحوادث، وهذا كله لا يتحقق لو أنزل جملة واحدة.
الجانب الرابع: من المنهج أن التدرج فى التربية يقتضى أن ينسخ حكم سابق بحكم لاحق يدرك الناس منه لطف الله بهم، وتيسيره عليهم، ورفع الحرج عنهم، ورحمته بهم، وهذا يوقع فى اللبس لو أنزل جملة واحدة فكيف يعرف الناسخ من


الصفحة التالية
Icon