بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم ونستعينك ونستهديك، ونصلى ونسلم على خاتم أنبيائك ورسلك سيدنا محمد.
وبعد:
فإن مدارسة موضوع تاريخ نزول القرآن الكريم تفتح أمامنا روضات نرتع فيها، يأخذ القلب فيها حظه من ركائز الإيمان وبرد اليقين، وتأخذ النفس حظها من التزكية والسكينة، ويأخذ العقل حظه من الصقل، والانطلاقة الرشيدة إلى الحركة العلمية النشيطة، والتأمل والتدبر فى الأنفس والآفاق. وتأخذ الحياة كلها حظها من الهدى والنور الذى يبدد ظلماتها ويهديها للتى هى أقوم فى جوانبها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقضائية وغيرها إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: ٧] إن مدارسة تاريخ نزول القرآن الكريم حياة فى رحابه منذ أن قال جبريل عليه السّلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اقرأ» إلى أن أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وختم آياته المتلوة المعجزة بآخر آية من كلامه العزيز.
فما أعظمها من حياة ونحن ننصت خاشعين إلى صوت الوحى، ونتتبع تنزلاته المباركة والتى تنزل ابتداء، أو تجيب عن تساؤل يوجه، أو تحل مشكلة قائمة، أو تمنح تجارب الأمم السابقة لهذه الأمة الخاتمة؛ فى قصة قرآنية محكمة، أو تقدم وصايا غالية لا غنى عنها، أو تجتث عقائد باطلة بالبرهان العقلى القوى، وتبنى وترسخ العقيدة الصحيحة الصافية النقية بالبرهان العقلى نفسه، والجيشان العاطفى القلبى، أو تعرفنا معرفة يقينية بأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلا، أو تقدم لنا الإشباع العقلى عن العالم الذى لا سبيل للعقل فى الوصول إليه بمنهج الاستقراء المادى التجريبى، فتقدم لنا أخبارا هى الحق والصدق واليقين عن عالم الغيب وما فيه، وعن مصير الإنسان بعد لقاء ربه، عن قبره وبعثه وجزائه، وجنته وناره، وما أعد من نعيم لأهل الجنة يأخذ باللب، ويدفع إلى المسارعة فى الخيرات، وما توعد به أهل الكفر والمعاصى من صنوف العذاب لكى تحجز الكفر وأهله من العبث فى هذه الحياة الدنيا، وإفسادها بالظلم للنفس