أن الحديث هنا لا يقوى- أيضا- على معارضة حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها والمرفوع إلى النبى صلّى الله عليه وسلم: لأن الحديث هنا مرسل كذلك.
الأمر الثانى: إن البسملة كانت تنزل صدرا لكل سورة إلا ما استثنى كسورة التوبة، وعلى ذلك نقول: إنها نزلت مع ما نزل من صدر سورة «اقرأ» ولا يعد نزولها مستقلا يقال به ليعارض القول الأول، وبناء على ذلك نرجح القول الأول الذى يرى بالأدلة الصحيحة أن أول ما نزل هو قوله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم» اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) [العلق].
وقبل أن نتدبر أول ما نزل نكمل القول فى آخر ما نزل، ثم نتناول ما يتعلق بترتيب الآيات والسور حتى يصبح الأمر واضحا، عند ما نتتبع تاريخ نزول الآيات بعضها إثر بعض، والثمرات التى نجنيها من ذلك، وكيف أن الترتيب الذى تم بتوقيف النبى صلّى الله عليه وسلم والذى عليه المصحف الآن مظهر من مظاهر الإعجاز القرآنى، حيث بظهر الأحكام والوحدة العضوية مع النزول المفرق والممتد مع حياة النبى صلّى الله عليه وسلم فى الدعوة.
آخر ما نزل: فأما ما قيل فى آخر ما نزل فقد وجدنا كذلك مجموعة من الأقوال بأدلتها نذكرها ونناقش أدلتها ونرجح ما نراه قويا منها.
الأول: يرى أن آخر ما نزل قول الله تعالى فى سورة البقرة: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١) أخرجه النسائى من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك أخرج ابن أبى حاتم قال: «آخر ما نزل من القرآن كله: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ... الآية وعاش النبى صلّى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال، ثم مات لليلتين خلتا من ربيع الأول.
وهذا القول وإن لم يكن مرفوعا إلى النبى صلّى الله عليه وسلم إلا أن ما ذكر فيه من الجانب التاريخى والذى يؤكد أن النبى صلّى الله عليه وسلم عاش بعد نزولها تسع ليال يرجح هذا القول على ما سيأتى من أقوال.
الثانى: فيرى أصحابه أن آخر ما نزل قول الله تعالى فى سورة البقرة كذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) وأخرجه البخارى عن ابن عباس وأخرجه البيهقى عن ابن عمر رضي الله عنهما.