من العلماء، ويرى بعض المحدثين أنه أمثل الآراء، ويعلل ذلك بأنه وردت أحاديث تفيد ترتيب البعض- كما مر بنا في الرأى السابق والقائل بالتوقيف- وخلا البعض الآخر مما يفيد التوقيف بل وردت آثار تصرح بأن الترتيب فى البعض كان عن اجتهاد، كالحديث السابق المروى عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن المؤيدين لهذا القول اختلفوا فى السور التى جاء ترتيبها عن توقيف، والسور التى جاء ترتيبها عن اجتهاد، فقال القاضى أبو محمد ابن عطية: إن كثيرا من السور قد علم ترتيبها فى حياة النبى صلّى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وأما سوى ذلك فيمكن أن يكون فوّض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية، ويبقى فيها قليل يمكن أن يجرى فيه الخلاف كقوله صلّى الله عليه وسلم: اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران» رواه مسلم. وكحديث سعيد بن خالد: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالسبع الطوال فى ركعة، رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه وفيه: أنه- عليه الصلاة والسلام- كان يجمع المفصّل فى ركعة.
وروى البخارى عن ابن مسعود أنه قال: قال صلّى الله عليه وسلم فى بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: «إنهن من العتاق الأول وهن من تلادى»، والعتاق: جمع عتيق وهو القديم من كل شىء، والمراد بالعتاق- هنا: ما نزل أولا، والتّلاد ضد الطارف وهو:
المستحدث من المال ونحوه، والمراد بالتلاد هنا: ما نزل أولا- أيضا- وفى الحديث:
«هن من تلادى» يعنى: السور أى من الذى أخذته من القرآن قديما. فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها.
وفى صحيح البخارى أنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ: «قل هو الله أحد، والمعوّذتين».
القول الثالث: فيرى أن ترتيب السور كان باجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم، وينسب هذا القول إلى جمهور من العلماء منهم: مالك والقاضى أبو بكر فيما اعتمده من قوليه، وإلى هذا المذهب يشير ابن فارس فى كتاب المسائل الخمس بقوله:
جمع القرآن على ضربين:
أحدهما: تأليف السور كتقديم السبع الطوال، وتعقيبها بالمئين فهذا هو الذى تولّته الصحابة رضي الله عنهم، وأما الجمع الآخر وهو جمع الآيات فى السور فذلك شىء تولاه النبى صلّى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه عز وجل. ودليلهم على هذا ما يلى: