ولهذا قال مالك: إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبى صلّى الله عليه وسلم مع قوله بأن ترتيب السور كان باجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قوليّ أو بمجرد إسناد فعلىّ بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر، وتبعه فى ذلك جعفر بن الزبير.
وحتى لو قيل بالاجتهاد من الصحابة فى بعض المواضع من الترتيب فقد علمنا من قبل أن اجتهاد الصحابة قائم على الاتباع، وعلى ما ألفوا وسمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليس اجتهادا قائما على الرأى والهوى.
وسواء أكان ترتيب السور توقيفيا أم اجتهاديا، فإنه ينبغى احترامه، خصوصا فى كتابة المصاحف؛ لأنه عن إجماع الصحابة- رضوان الله عليهم- والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة، ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.
أما ترتيب السور فى التلاوة فليس بواجب، إنما هو مندوب قال الإمام النووى فى كتابه البيان: قال العلماء: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف، فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران، ثم ما بعدها على الترتيب سواء أقرأ فى الصلاة أم فى غيرها، حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ فى الركعة الأولى سورة قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) [الناس] يقرأ فى الثانية بعد الفاتحة من البقرة، قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التى تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغى أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ فى الأولى سورة السجدة، وفى الثانية: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ، وصلاة العيد فى الأولى «ق» وفى الثانية: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وركعتى الفجر فى الأولى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) وفى الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)، وركعات الوتر فى الأولى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)، وفى الثانية: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١)، وفى الثالثة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) «والمعوّذتين». ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلى الأولى، أو خالف الترتيب فقرأ بسورة قبلها جاز، فقد جاءت بذلك آثار كثيرة، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فى الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفى الثانية بيوسف. وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا فقال:
ذلك منكوس القلب.