إذ هو رجل له عقل وذو ثروة، فلو اختار الدين والهدى والأمر بالتقوى، أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله والنهى عن طاعته؟ فكيف فوت على نفسه المراتب العالية، ووقع بالمراتب الدنيئة؟ وهذا الخطاب المبكر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الآيات الأولى وفى بداية الدعوة، والمتضمن لما كان ينبغي أن يكون عليه هذا الناهى عن الصلاة، وهو أن يكون على الهدى أو أن يكون آمرا بالتقوى، فالذى شق على أبى جهل من الرسول صلّى الله عليه وسلم أمران: الصلاة والدعاء إلى الله؛ فالرسول الكريم كان يرى فى أحد هذين الأمرين ويدعى إلى ذلك كل مؤمن، وهو كذلك سبيل الخروج من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، وأن يكون فى إصلاح نفسه وذلك بفعل الصلاة، وفى إصلاح غيره وذلك بالأمر بالتقوى كما كان عليه الصلاة والسلام فى صلاته على الهدى وآمرا بالتقوى؛ لأن كل من رآه وهو فى الصلاة كان يرق قلبه فيميل إلى الإيمان، فكان فعل الصلاة دعوة بلسان الفعل، وهو أقوى من الدعوة بلسان القول، وهذا كان يطغى أبا جهل وهذا يدعو إلى العجب.
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣)؟ ويستمر الخطاب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم لبيان حال هذا المستغنى الطاغى الذى كذب بالدلائل القوية السابقة المذكورة فى الآيات الكريمة من الخلق والرزق والكرم والتعليم وتولى عن طاعة مولاه بل منع غيره عن الطاعة، أيعلم بعقله السليم أنه على الباطل وأنه لا يفعل ذلك إلا عنادا أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) يرى منه هذه الأعمال القميئة ويعلمها، أفلا يزجره ذلك عن هذه الأعمال؟
ولذلك نجد هنا الضابط الآخر والمهم فى ضبط السلوك الإنسانى، وهو يعين الإنسان بمراقبة الله له، وأنه يسمعه ويراه فهذا يعصم الإنسان من الطغيان، ويعصمه من الظلم لنفسه وللناس، وهذا المبدأ العاصم الذى يقرر منذ اللحظات الأولى فى عمر الدعوة المباركة يفصل تفصيلا بعد ذلك فى آيات الكتاب العزيز، وفى أحاديث النبى صلّى الله عليه وسلّم ليجعل من المسلم محسنا فى أقواله وأفعاله وأحواله فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، وتختم السورة بمضامين تحتاج إلى تفصيل نذكرها إجمالا:
أولا: الذى يقع فى دائرة الطغيان لنفسه ولغيره يعرض نفسه للعقوبة التى تلائم طغيانه.
ثانيا: عقوبة تجاوز حدود الله فى الدنيا والآخرة.
ثالثا: التوجيه للمؤمنين بعدم السير فى ركاب الطغاة وطاعتهم والاستقامة على وحى الله وهديه.


الصفحة التالية
Icon