سورة «القلم»
ونتدبر روضة ثانية من روضات القرآن الكريم، مع السورة الثانية من سور التنزيل والتى تلا سورة العلق وهى سورة «ن» أو «القلم»، والسورة كلها مكية فى قول الحسن وعكرمة وجابر «١»، وأما ابن عباس وقتادة فيذهبان إلى التفصيل فى ذلك فيذكران أن فى السورة آيات مكية وآيات مدنية؛ فمن أولها إلى قوله تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) مكى، ومن قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إلى قوله تعالى:
كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) مدنى، ومن قوله تعالى:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) إلى قوله تعالى: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) [القلم] مدنى، وما بقى مكى «١».
وأخرج ابن أبى حاتم: أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذا فاربطوهم فى الحبال، ولا تقتلوا منهم أحدا، فنزلت: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ [القلم: ١٧] «٣». وهذا ما دعا إلى التفضيل فى مكيّها ومدنيها من الآيات الكريمة، إلا أن التأمل فى مضمون هذه السورة الكريمة يرجح أنها نزلت دفعة واحدة، أو نزلت على دفعات متتابعة بعد سورة العلق على التفصيل الذى ذكر سابقا فى سورة العلق. فبعد إرساء مجموعة من المبادئ فى السورة الأولى، وبعد استماع الناس لها، وبعد رؤيتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلى ونهى أبى جهل له، وبعد الدعوة إلى التأمل والتعلم لبناء النفس والمجتمع يأتي التنزيل الحكيم بهذه السورة الكريمة التى تدور حول محور «هو وهم» الداعى والمدعو، رسول الله صلّى الله عليه وسلم والناس، وتبدأ بهذا القسم الذى استوقف ابن القيم، ووفق فى الربط بينه وبين مضمون سورة العلق، حيث وجدنا من المبادئ التى أرساها مبدأ القراءة والتعلم بالقلم لنجد التنويه بأداة التعلم قراءة وكتابة فى سورة «القلم»، فيقول الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) يقول ابن القيم: الصحيح أن «ن» و «ق» و «ص» من حروف الهجاء
(٣) لباب النفوس ص ٢١٩.