التقوى فقال تعالى فى سورة العلق: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) [العلق] وفى سورة القلم- هنا- بيان لمن اتصف وتخلق بها، وما أعد الله لهم من جنات النعيم.
ويوضع من تخلق بالقيم الجديدة التى جاء بها الإسلام فى كفة ميزان، ومن أجرم فى حق نفسه وفى حق غيره فى كفة أخرى، فهل يستوى من أسلم مع من أجرم؟.
قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: قالت كفار مكة: إنا نعطى فى الآخرة خيرا مما تعطون فنزلت: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥)، ثم وبخهم فقال: ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) [القلم] هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم أن لكم من الخير ما للمسلمين، أم لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصى، وزاد فى التوبيخ فقال: أم لكم عهود ومواثيق مؤكدة علينا أن يدخلكم الله الجنة وليس الأمر كذلك، وسل يا محمد هؤلاء المتقولين على الله أيهم كفيل بما ذكر، وأيهم قائم بالحجة والدعوى. أم أن لهم شركاء يشهدون على ما زعموا إن كانوا صادقين في دعواهم فليأتوا بشركائهم إن أمكنهم «١».
يقول الله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ
[القلم].
وفى هذه الآيات المنزلة فى السورة الثانية إرساء لعقلية جديدة ناجحة ينبغى أن تنظر فى الأمور وأن تزن الأعمال والمواقف، وأن تلزم فى نظرتها الحجة والبرهان، وليس التخير بالهوى وإلا تسلك سبيل الادعاء.
وتستمر الآيات الكريمة المنزلة فى السورة الثانية فى تقديم الضوابط للسلوك الإنسانى حتى يستقيم وينهض من اعوجاجه، فتذكر باليوم الآخر الذى سبق ذكره فى السورة الأولى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) [العلق] ولكن هنا فى السورة الثانية يقول الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً