لهم من خير؟ أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦). وفى هذا قطع للعوائق فليس رسول الله طالبا للأجر منهم بل هو الذى يبذل من نفسه وماله جهادا فى توصيل الخير إليهم فليطمئنوا إلى ذلك. أم أن هؤلاء ينزل عليهم وحى مما يقولون يخاصمونك به، وأنهم أفضل منكم، وأنهم لا يعاقبون، ويحكمون لأنفسهم بما يريدون؟ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧).
فإذا ما انتقلنا إلى الآية الواحدة والخمسين من سورة القلم وتركنا ما قبلها مما ذكر أنه مدنى، رأينا الآية الكريمة تخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشدة عداوة الكافرين له، ومحاولتهم إصابته بعيونهم الحاقدة الحاسدة لما سمعوا النبى يقرأ القرآن، ونسبوه إلى الجنون.
وهكذا تأتى خاتمة السورة لتذكر بأولها فى تناسق بديع، وترابط قوى، ففي أولها القسم: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)، وفى ختامها وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢). فالقرآن الكريم ذكر للعالمين، والمنزل عليه القرآن ذكر للعالمين يتذكرونه به «١»، وقيل: معناه شرف أى القرآن كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: ٤٤]، والنبى صلّى الله عليه وسلم شرف للعالمين أيضا شرفوا باتباعه والإيمان به صلّى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكر من أنه مدنى فى آيات السورة الكريمة فإنه يتطابق مع محور السورة الكريمة فى الحديث عن النبى صلّى الله عليه وسلم والحديث عن المشركين.
وهذه الآيات هى قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ
(٣٣).
فالصلة بين حديث الآيات السابقة عن المشركين، وهذه الآيات قوية لدرجة ترجح