من كل جوانبه فالمسئولية كبيرة والمهمة خطيرة، والتحديات كبيرة ومستمرة، ولا بدّ من تدعيم المؤمنين ليصمدوا وليثبتوا وليكونوا فوق الأحداث وأكبر من التحديات، وسبل التدعيم فى هذه المرحلة المبكرة كما يلى: قيام الليل فهو مدعم للنفس ويقويها، وتوجيه هذا الأمر إلى النبى صلّى الله عليه وسلم فيه معنى آخر فى البناء النفسى وهو جانب الأسوة فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو يضع أمامهم ما يؤمر به، وهم يقتدون به، وبهذا شهد القرآن الكريم لهم، وبدأ قيام الليل بصورة تلائم شدة الموقف، وتمنح النفس قوة تتجاوز بها المخاطر، وتشد بها العزائم فتهون المحن، وتذلل الصعاب، فقيام الليل المأمور به أول الأمر يشمل نصف الليل، أو أقل من النصف بقليل أى نحو الثلث، أو يزيد على النصف فيكون نحو الثلثين.
وقبل أن نذكر بقية المدعمات نذكر أن قيام الليل سيجمع عددا من هذه المدعمات الطيبة؛ ولذلك فقيام الليل مع مضمون هذا القيام يكون هذه الشخصية القوية التى تقترب من ربها، وتنجو من آثار سيئاتها، وتطرد الأسقام عن البدن. فالقوة- إذن- فى قيام الليل قوة مادية وقوة معنوية. فعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:
«عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد»، رواه الطبرانى فى الكبير ورواه السدى فى الدعوات من الجزء الأول منه «١».
قيام الليل جامع لعناصر أخرى من هذه المدعمات منها: ترتيل القرآن الكريم، والترتيل هو التمهل والمد وإشباع الحركات وبيان الحروف، وذلك يعين على التفكر فى معانى القرآن الكريم «٢». فإذا أضفنا الترتيل إلى قيام الليل، فإن أوقات الليل كما تشهد لها الآيات: وَأَقْوَمُ قِيلًا (٦) [المزمل]؛ لخلو الذهن من المشاغل والبعد عن مزعجات الأصوات والحركة، فالليل مقترن بالسكون والبعد عن الشواغل من بشر أو أعمال.
وأما صلة الترتيل بهذه الهيئة وتدعيم النفس فقوية وواضحة؛ فإن الترتيل سيجعل المرتل دائم الاستيعاب لمعانى القرآن الكريم، وما أنزل من توجيهات، فيتفاعل معها وتهديه للتى هى أقوم فى كل شىء.
وذكر هذا فى بدايات التنزيل مع الأمر الأول فى قوله تعالى: اقْرَأْ [العلق: ١]
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل ٤/ ٢٩٦.