الأول: هذا القول، وهو قوله تعالى: (تمَنوُا المَوتَ إِن كنتُم صَادِقينَ) وذلك أن اليهود قالوا: نحن أبناء الله واحباؤه، فقال اللَّه لهم: إِن كنتُم كذلك فتمنوا الموت لتموتوا، فتصيروا إلى الثواب عاجلا، ثم أخبر أنهم لا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم من الذنوب، فكان هذا خبر غيب دالا على صدق الدعوة، فلم يكن فيهم أحد يقول: إني تمنيت ولم أمت، وشرح ذلك جرى في كتابنا في التفسير.
والثاني: القراءة، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) يقال: تمنى الرجل إذا قرأ، قال الشاعر:
تَمَنَّى كتابَ اللهِ أوَّلَ لَيلهِ | وآخِرَه لاقى حِمامَ المقادِرِ |
وأما ما روي أنه - ﷺ - قرأ: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى، ثم سجد، وسجد المشركون، وقالوا: قد رجع إلى دينكم، فإن ذلك كذب، لأن القارئ لا يغلط بمثل هذا، ولا يجوز أن يقوله النبي صلى الله عليه وآله تعمدا، لأنه كفر، ولا يقع الكفر من الأنبياء.
وأخرى فإنه لا خلاف بين الرواة أنه - ﷺ - كان لا يمكنه الصلاة عند الكعبة ظاهرا؛ لما كان المشركون ينالونه به من المكروه، فكان يصلي عندها ليلا حين لا يطلع عليه أحد منهم، فكيف سجدوا لقراءته، وهذه حاله عندهم، حتى كأنهم كانوا على ميعاد؟!