وأما قوله: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً) فمعناه سمياهم بذلك، ومثله جعلت فلانا لصا، وقوله تعالى: (جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا) أي: وصفناهم بهذا الوصف بعد أن عادوا الأنبياء، وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) أراد الخبر بما في قلوبهم من ذلك ووصفه؛ فالمجعول هو الخبر ويكون بمعنى اللطف، وقوله: (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) أي؛ خلقها، ويجوز أن يكون مكن يوسف - عليه السلام - ظهر صدق رؤياه؛ فالمجعول نفس الرؤيا في الأول وفي الثاني للدلالة على صحته.
وقوله تعالى: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) أي: فرقا، والجعل راجع إلى ما به كانوا فرقا؛ وهو الفعل الذي فرق بينهم، وقوله تعالى: (وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا) أي: حجة. ؛ وهو قلب الفصاحة.
وقوله - تعالى: (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) هؤلاء قوم آمنوا فلحقهم أذى من الكفار وهزوا فكفروا، وكان يجب أن يدعوا الكفر خوفا من عذاب الله وتركوا الإيمان خوفا من عذاب الناس؛ فأبدلوا حكم عذاب الناس حكم عذاب الله؛ فالحكم هو المجعول، وقال: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) فالمجعول فعل ما صارت به آية، وقال: (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) أي عبرة، وفعل ما صار به المسيح عبرة هو المجعول.
وقوله تعالى: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) فأمره بالاقتداء بهم هو المجعول، وقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) أي: بالإجبار.
والجعل بعد ذلك في القرآن على ستة أوجه فيما ذكره بعض المفسرين:
الأول: التسمية؛ قال: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) وقال: (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) أي: سميناها قاسية.