وإنما المراد أنه يكلف عباده ويأمرهم وينهاهم، لأن الابتلاء والامتحان هو الأمر والنهي، فسمى الله تكليفه وأمره عباده ابتلاء من هذا الوجه على سبيل التوسع.
ولا يجوز أن يقال [إنه يجرب عباده، وإن كان الابتلاء والتجريب] بمعنى واحد، وذلك أن استعمال الابتلاء فى الله مجاز، والمجاز لا يقاس عليه، وإنما يقاس على الحقائق، ولولا أن أهل اللغة استعملوا الابتلاء في اللَّه لم يجز استعماله فيه والعلة التي في الابتلاء ليست في التجربة وهي الاستعمال.
ولو جاز القياس على المجاز لجاز أن تقول: سل الحمار وسل الشاة، وأنت تريد صاحبها، كما جاء.: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) أي: أهلها، وفي امتناع ذلك دليل على ما قلنا.
الرابع: العافية والسلامة، قال اللَّه - تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يعني: أنهم يريدون تقديم العذاب لهم في الدنيا على ما هم فيه من العافية فيها، وقوله (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ).
الخامس: العفو والمعروف من القول، قال: (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي: يدفعون القول القبيح المؤذي بالقول الحسن مرة وبالعفو أخرى، والمعنى أنهم يتغافلون عنه فينقطع، وكأنهم دفعوه، ولو أجابوا عنه زيد فيه.
وقيل: معناه أنهم يدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات، قاله الزجاج، وهو غلط لأن ما تقدم لا يدفع، وإنما يقال ذلك في المستقبل، وقال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أمره بالصفح والتغافل.
والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة، و (لا) دخلت تأكيدا، و: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، أي: ادفع السيئة، ومما يلحق بما تقدم أن حد الحسن الفعل الذى يدعوا إليه العقل، وحد القبيح الفعل الذي يزجر عنه العقل، والإحسان الدفع الحسن، والإساءة الضرر القبيح