فأما قولهم: فرض القاضي عليه فإن معناه؛ أوجب عليه ما فرض الله؛ لأن القاضي لا يفرض في الحقيقة، فأمَّا قوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) فهو بمعنى ألزم، فوضع حرفا مكان حرف لتقاربهما في المعنى، وكذلك فرض القاضي.
والفرض في القرآن على خمسة أوجه:
الأول: الإلزام؛ قال اللَّه: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ)، وقال: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) يعني: المهور، وأن لا يتجاوز الرجل تزوج أربع نسوة، وقيل: الفرض هاهنا الإباحة؛ أي: أبحنا لهم تزوج أربع نسوة وما ملكت أيمانهم؛ أي: وإن اتخذوا من الإماء والسراري ما يريدون، وقال في آية الصدقات بعد أن عدد أهلها: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) وقيل: للصلاة المكتوبة فرضفة ولسهام الميراث فرض لذلك.
الثاني: بمعنى التبيين؛ قال الله: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) أي: بين لكم كيف تكَفِّرون عن أيمانكم إذا حلفتم، ومثله قوله تعالى: (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا) أي: بيناها وفصلناها، وقيل: معنى: (فَرَضْنَاهَا) التخفيف؛ إنا أنزلنا العمل بما فرض فيها، ومن شدد وأراد التكثير، أي: فرضنا فيها فروضا.
الثالث: فرض بمعنى أحل؛ قال اللَّه: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ) يعني: فيما أحل له، ويجوز أن يكون معناه أنه أوجب عليك العمل به.
الرابع: بمعنى أنزل، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) أي: أنزل، ويجوز أن يكون معناه أنه أوجب عليك العمل به.
الخامس: الفريضة بعينها وهي الخصلة يلزم فعلها، قال تعالى: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) والفريضة المهر أصله قوله: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً).