فلا نشك في أنه أراد التزويج، وقال: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) أي: تزوجوهن؛ لأن الزوج لا يلزم أن يجامع امرأته بإذن أهلها.
والوجه الآخر: قوله: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) أراد الجماع، وذلك أن الرجل إذا مات وله امرأة قال وارثه: قد ورثت امرأته كما ورثت ماله وألقى عليها ثوبا فيملك بذلك نكاحها على الصداق الأول بغير عقد ثان، والتزويج إنما هو اسم، وكان الولد الذي يكون بينهما يقال له: المقتي. وقال الله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا) والمقت اسم يجمع للبغض والاستقباح، ومقت فلان نفسه إذا ذمها على قبيح، والمعنى أن ذلك معصيته يمقتها اللَّه.
وقال أبو الحسن: جميع ما في القرآن من ذكر النكاح فهو التزويج إلا حرفا واحدا في سورة النور، وروي عن بعضهم أنه أراد الجماع، وهو عند غيره أراد التزويج.
قال أبو هلال - رحمه الله - هو قوله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) قال أبو بكر: لا تخلوا الآية من أن تكون خبرا أو نهيا، وقد علمنا أنه ليس بخبر؛ لوجودنا رأينا بتزويج غير الزانية فثبت أنه أراد النهي ثم لا تخلوا أن تكون نهيا عن الوطء أو العقد أو عنهما جميعا؛ ولا يجوز أن يكون المراد العقد، لأن حقيقة النكاح الوطء.
ولا يجوز حمل الكلام على المجاز دون الحقيقة من غير دلالة فثبت أن المراد الوطء على ما يقوله ابن عبَّاس، ومن تابعه أو تكون الآية منسوخة على ما يقوله سعيد بن المسيب، وغيره. وقال في قوله: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) حقيقة النكاح الوطء، فكأنه قال: [ولا تنكحوا ما وطئ آباؤكم في كل وطء حراما كان أو حلالا؛ كما أن الضرب والقتل ولا يختص بالحلال من ذلك دون الحرام].