عصرنا، فماذا نفعل؟ سوى أن نحاول لوي النص القرآني، وأن نلح عليها بالتأويل المستمر للنصوص من أجل أن تفسر على مطابقة حقائق العلم، ونظرياته التي تتغير تغيرا مطردا.
ويرجع الشهيد سيد قطب رحمه الله في كتابه القيم «في ظلال القرآن» هذا الصنيع إلى: الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم، على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه، والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته
بالأمس وكل ما يصل إليه عن نهائي ولا مطلق لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة، وخلاصة الدافع لهذا القول أن خلطا بين طبيعة القرآن وبين طبيعة العلم ووظيفة كل منهما.
ويكفي القرآن أنه احتوى على الأساس الفكري الذي يبنى عليه كل علم، وهو الدعوة إلى التفكير والتأمل والبحث وتحديد الموقع من العالم وإن كان في إطار هدفه الأسمى من هداية الإنسان وتحقيق إنسانيته الحقيقية، يقول تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: ١٧ - ٢٠].
ومثل قوله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الروم: ٨]. ومثل قوله تعالى:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [آل عمران: ٩٠، ٩١].
وقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد: ٣] وقوله تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١].
ويرفع مكانة العلماء كما في قوله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: ١١] وقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩١]، ويجعل العلم دعاء المؤمن إلى الله،