مدّة «١».
ورحلات الداني هذه بعضها كان قبل ارتحاله إلى المشرق، وبعضها بعد عودته إلى الأندلس، كما أن بعضها كان طلبا للسّماع من الشيوخ، وبعضها كان طلبا للأمن والاستقرار «٢»، بعد أن عاثت الفتن في أرجاء قرطبة فسادا كبيرا.
واستقر به المقام في دانية، لأن ملكها يومئذ مجاهد بن يوسف بن علي، من فحول موالي العامريين، خرج من قرطبة يوم قتل المهدي سنة أربع مائة، واستولى على دانية، فحكمها من سنة (٤٠٥ - ٤٣٦) «٣» ثم ابنه علي إقبال الدولة من سنة (٤٣٦ - ٤٦٨) «٤» وكان مجاهد" معتنيا بفن القراءات من بين فنون القرآن؛ لما أخذه به مولاه المنصور بن أبي عامر، واجتهد في تعليمه وعرضه على من كان من أئمة القراء بحضرته، فكان سهمه في ذلك وافرا" «٥».
" وكان أبو الحبيش مجاهد يستجلب القراء، ويفضل عليهم، وينفق عليهم الأموال، فكانوا يقصدونه، ويقيمون عنده، فكثروا في بلاده" «٦».
وكان لأبي عمرو الداني صلة بالأمير مجاهد، الذي كان مشغوفا بالعلوم التي حصلها أبو عمرو «٧»، فاستمرت إقامة أبي عمرو في دانية حتى نهاية عمره، رحمه الله.
ولم يحدثنا الداني في تلك العجالة عن أسرته، كما أن المصادر قد ضنت علينا، فلم تحدثنا عنها كذلك، وكل الذي نعرفه أن والده كان صيرفيا، وهذا يعني أنه كان ثريا، وإن كان الثراء غالبا في أهل قرطبة «٨»، وقد ترجم ابن بشكوال لوالده فقال:
" سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، من أهل قرطبة، يكنى أبا عثمان، وهو

(١) بغية الملتمس: ٤١٢.
(٢) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٩/ ١١٦ من الترجمة العربية.
(٣) انظر: تاريخ ابن خلدون، المسمى العبر وديوان المبتدأ والخبر ٤/ ٣٥٤، دائرة المعارف الإسلامية ٩/ ١٢٠ (الترجمة العربية).
(٤) انظر: مقدمة ابن خلدون ٣/ ٩٩٥.
(٥) انظر: مقدمة ابن خلدون ٣/ ٩٩٥.
(٦) معجم البلدان ٢/ ٤٣٤.
(٧) انظر: دائرة المعارف الإسلامية ٩/ ١١٦.
(٨) انظر: تفح الطيب ١/ ٥٥٨.


الصفحة التالية
Icon