" قيل: إنه جمع فيه كل ما يعلمه في هذا العلم" «١» وهذا القول غير مسلّم به، وإن كان جامع البيان قد حوى ما يعجب ويدهش، فالرجل قد أوتي حظا وافرا، ونصيبا كبيرا
من العلم، جعله يتبوأ في علوم القراءات مرتبة" الأستاذين، وشيخ مشايخ المقرئين" «٢» عن جدارة واستحقاق.
وكان وراء إبداع الداني في القراءات عدة عوامل منها:
١ - سعة الرواية وكثرتها:
بالأسانيد المتصلة في روايات القراءات ووجوهها، وفي تاريخ رواتها، وطبقاتهم، فتراه في جامع البيان، يوثّق كل معلومة بالإسناد المتصل إلى قائلها.
يقول: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت أبي يقول: عاصم بن أبي النّجود هو عاصم بن بهدلة «٣».
وتوثيقا لعاصم يقول: أخبرنا سلمون بن داود، قال: حدثنا أبو علي بن الصوّاف، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن عاصم بن بهدلة فقال:
رجل صالح خيّر ثقة «٤».
ويمضي هكذا، حتى يورد لك سبعة عشر إسنادا، يوثق بها ترجمته لعاصم بن أبي النجود.
هذا، وللداني معرفة واسعة بتاريخ رواة القراءات، ودرجاتهم، وطبقاتهم، حتى أن له مصنفا في طبقات القراء في ثلاثة أسفار، ذكر فيه أحوال كل من قصد للإقراء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى سنة خمس وثلاثين وأربع مائة «٥».
٢ - الضبط التام:
بحيث يؤدي مسموعات ومروياته كما سمعها، وهذا الضبط هو الذي يعلي قدر العالم، ويرفع منزلته، وقد شهد النقّاد لأبي عمرو أنه قد بلغ في ذلك شأوا بعيدا.
(٢) غاية النهاية ١/ ٥٠٣.
(٣) انظر: جامع البيان الفقرة: ٢٩٠.
(٤) انظر: جامع البيان الفقرة: ٢٩٩.
(٥) انظر: روضات الجنات ٥/ ١٨٢.