المقدمة [من المحقق]
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلّم.
أما بعد:
فإن علم القراءات واحد من علوم الإسلام المتعددة، التي شغف بها سلفنا الصالح، وأفنوا أعمارهم فيها: شطرا في الطلب والتحصيل، وشطرا في التدريس والإملاء والكتابة والتصنيف، نشرا للعلم وقياما بحقه، وأداء لأمانة يرجون فيها ثواب الدار الآخرة، فأورثونا، ونعم الإرث، تراثا عظيما غنيا وأصيلا في شتى ميادين المعرفة.
على حين خلف من بعدهم خلف قعدوا عن التأسي بأجدادهم، وفرطوا بتركة آبائهم، فناموا طويلا في سبات عميق، وما انتبهوا إلا بعد ما انتهبوا، فتراكضوا يجمعون ميراثهم، وينشرون كتب آبائهم، بعد أن تشتتت في مشارق الأرض ومغاربها.
غير أن مخطوطات علم القراءات لم تنل حقها من عناية الباحثين المسلمين المعاصرين، حيث إن هذه النفائس، ما عدا النزر اليسير، ما زالت حبيسة الخزائن في شتى مكتبات العالم، بل إن بعض أفاضل العلماء يجادل في فائدة نشر هذه المصنفات، وفي جدوى فائدة علم القراءات في هذا الزمان، على أن المستشرقين فطنوا إلى أهمية هذا العلم فبادروا إلى نشر تراثه وكتابة البحوث في مسائله وموضوعاته، وهدف كثير منهم النيل من كتاب الإسلام، والكيد لأتباعه.
فما أحرانا أن نشمّر عن سواعد الجدّ للعمل في ميدان هذا العلم الجليل، ندرأ الخطر، ونكشف الشبهات، وطوبى لمن جعله الله سببا لحفظ كتابه الكريم من التغيير والتبديل.