منها، وهم يسرون بها اتباعا للسّنة في صلاة الجهر «١» واقتداء بالآثار الواردة في ذلك.
وقال داود «٢»: هي آية مفردة في كل موضع كتبت فيه في المصحف، وليست بآية في شيء مما افتتح به «٣» وإنما هي آية في قوله عزّ وجلّ: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا غير اه «٤».

قراء الكوفيين آية ولم يعدها قراء البصريين، وليس عن أصحابنا رواية منصوصة في أنها آية منها، إلا أن شيخنا أبا الحسن الكرخي حكى مذهبهم في ترك الجهر بها، وهذا يدل على أنها ليست منها عندهم، لأنها لو كانت آية منها عندهم لجهر بها كما جهر بسائر آى السور اه أحكام القرآن (١/ ٨).
وقال في موضع آخر: وما ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اخفائها يدل على أنها ليست من الفاتحة، إذ لو كانت منها لجهر بها كجهره بسائرها اه (١/ ١٦).
(١) وهذا يدل على ترك الجهر بها، ولا دلالة فيه على تركها رأسا اه المصدر نفسه (١/ ١٤).
(٢) داود بن علي بن خلف الأصبهاني أبو سليمان الملقب بالظاهري، أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام، تنسب إليه الطائفة الظاهرية، وسميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة وإعراضها عن التأويل والرأي والقياس، وكان داود أول من جهر بهذا القول، مولده في الكوفة، ووفاته في بغداد (٢٠١ - ٢٧٠ هـ).
تاريخ بغداد (٨/ ٣٦٩) والميزان (٢/ ١٤) والفهرست لابن النديم (ص ٣٠٣) والأعلام (٢/ ٣٣٣).
(٣) وقد ذكر نحوه الجصاص في أحكام القرآن له (١/ ١٢) وراجع غيث النفع (٥٨، ٥٩).
(٤) هي بعض آية من سورة النمل، أولها إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رقم (٣٠).
قال ابن العربي: اتفق الناس على أنها آية من كتاب الله تعالى في سورة النمل، واختلفوا في كونها في أول كل سورة، فقال مالك وأبو حنيفة: ليست في أوائل السور بآية، وإنما هي استفتاح ليعلم مبتدؤها.
وقال الشافعي: هي آية في أول الفاتحة قولا واحدا، وهل تكون آية في أول كل سورة؟ اختلف قوله في ذلك... » اه أحكام القرآن له (١/ ٢).
وقد ذكر القرطبي نحو كلام ابن العربي ثم قال: والصحيح من هذه الأقوال قول مالك، لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه، ثم نقل عبارة ابن العربي:
ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه اه. ثم يقول القرطبي: والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها، إلا في النمل وحدها بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل، وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها، أو على السعة في ذلك» اه (١/ ٩٣).
والذي أراه عدم الإنكار على من جهر بها ومن أسر فكل له دليله الذي توصل إليه، وكل حاول التمسك بالسنة بغض النظر عن الصحيح والأصح من ذلك، والله أعلم.
قال الشوكاني: وحكى القاضي أبو الطيب الطبري عن ابن أبي ليلى والحكم أن الجهر والإسرار


الصفحة التالية
Icon