ناداه المهاجرون والأنصار، يا معاوية، نقصت الصلاة؟ أين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «١» وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فكان إذا صلّى بهم بعد ذلك قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وكبّر) «٢». وهذا يدل على أن الجهر بها في أول الفاتحة في الصلاة من عمل أهل المدينة، وأنها آية منها، لقولهم: نقصت الصلاة؟ «٣».
وروى عكرمة عن ابن عباس (أنه كان يفتتح ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يجهر بها، وكان يقول: إنّما ذلك شيء سرقه الشيطان من الناس) «٤» اه.
وأما من لم يعدها آية من الفاتحة، وأسقطها منها، فإنه احتج بما رواه (قليس) «٥» بن

يلي: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة، فقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، حتى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حين يهوي، حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان، يا معاوية، أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* للسورة التي بعد أم القرآن... اه.
(١) جاء في ظ بعد البسملة: وكبر، وهذا يدل على أن الجهر، وهو تكرير لما سيأتي بعد سطر بانتقال النظر.
(٢) رواه الشافعي- كما قال المصنف- في كتاب الأم باب القراءة بعد التعوذ (١/ ١٠٨) وعبد الرزاق في المصنف باب (قراءة) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (٢/ ٩٢).
والدارقطني بسنده إلى الشافعي بالسند المذكور، وفي آخره فلم يصل بعد ذلك إلا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* لأم القرآن وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجدا، رواته كلهم ثقات اه سنن الدارقطني (١/ ٣١١) وعزاه السيوطي إلى الشافعي في الأم والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي. الدر المنثور (١/ ٢١).
(٣) قال أبو بكر الرازي الجصاص:- عقب ذكره لحديث الشافعي هذا عن معاوية- فمن احتج بهذا قيل له: لو كان ذلك لعرفه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن المغفل وابن عباس، ومن روينا عنهم الإخفاء دون الجهر، ولكان هؤلاء أولى بعلمه لقوله عليه السلام «ليليني منكم أولو الأحلام والنهى».
وكان هؤلاء أقرب إليه في حال الصلاة من غيرهم من القوم المجهولين الذين ذكرت، وعلى أن ذلك ليس باستفاضة، لأن الذي ذكرت من قول المهاجرين والأنصار، إنما روايته من طريق الآحاد، ومع ذلك فليس فيه ذكر الجهر، وإنما فيه إنه لم يقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* ونحن ننكر ترك قراءتها، وإنما كلامنا في الجهر والإخفاء أيهما أولى، والله أعلم اه أحكام القرآن (١/ ١٧) وقد أفاض الزيلعي في الكلام عن هذا الحديث وتفنيده سندا ومتنا فانظره في نصب الراية (١/ ٣٥٣).
(٤) تقدم نحوه قريبا.
(٥) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ: قيس. وهو الصحيح.


الصفحة التالية
Icon