السرعة والقوة في الفعل، ونظير هذا قوله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي «١» فالإلقاء هنا يدلّ على القوة، ليوحي بالثبات، وينفي الضّعف
الذي تصوره النبيّ الكريم.
ولا يبتعد الزمخشري عن مفهومنا للتجسيم، وهو يعدّه في بعض الأحيان ضربا من المجاز، ففي الآية الكريمة: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ «٢». يقول: «أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد، وما يمسّ الناس منها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضرّ، وأذاقه العذاب، وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف، فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس، وكأنه قيل: فأذاقه ما غشيهم من الجوع والخوف» «٣».
والحق أن استعانته بالمدلول اللغوي غير لائقة، وغير جديرة بالمقام، إذ إن القرآن هو الذي استعمل الذوق للعذاب والبؤس، وهذه الاستعارة جديدة لم يعرفها العرب، والفعل يدلّ على إشراك حاسّة الذوق التي تكون منفذا إلى الرّهبة في النفس، ويبقى للزمخشري أنه يقدم مفتاحا لغويا لفهم وتذوق هذه الصورة الحسية، وقد اهتم الزمخشري بالمذاقة، لأنه يرى فيها تجريدا للاستعارة يفوق الكسوة، لأن الذوق يشتمل على اللمس، واللمس لا يشتمل على الذوق.
وإذا كان يفسّر هنا العلاقة بين المعنوي والحسي بالمجاز، فإنه في مكان آخر يعدّها «مثلا» فقد جاء في تفسيره للآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ «٤»: «على حرف: على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، وهذا مثل لكونهم على قلق

(١) سورة طه، الآية: ٣٩.
(٢) سورة النّحل، الآية: ١١٢.
(٣) الزمخشري، محمود بن عمر، ١٩٦٦، الكشاف، ط/ ١، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر: ٢/ ٤٩٨.
(٤) سورة الحج، الآية: ١١.


الصفحة التالية
Icon