والمستعار له تبليغ الرسالة والجامع لها التأثير، وهما عقليان، كأنه قيل أبن الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزجاجة» «١».
ونظير هذا ما ذكره يحيى العلوي «٢» بأسلوب بلاغي مدرسي يعتمد التقليد، ويتعثر فيه لخلطه في معيار المصطلح الذي يولع به، وذلك في تعليقه المسهب على قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ «٣»، وقد أسهب في تعليقه على الآية، وقال: «والظاهر من هذه الاستعارة هو التخييل، لأن الله تعالى لما ابتلاهم لكفرهم باتصال هاتين البليّتين، ولما استعار اللباس هنا للمبالغة في الاشتمال عليهم أخذ الوهم في «تصوير» ما للمستعار منه من التّغطية والستر والاسترسال رعاية لمزيد البيان في ذلك، وإن جعلته من باب التحقيق للاستعارة فتقريره هو أن ما يرى على الإنسان عند شدة الخوف والجوع من الضعف والهزال وامتقاع اللون، وعلوّ الصّفرة، ورثاثة الهيئة، وركّة الحال، وحصول القلق والفشل، يضاهي الملابس في اختلاف أحواكها وألوانها» «٤».
فالبلاغيون جعلوا الاستعارة تصريحية تحقيقية لتحقق معناها حسا أو عقلا، وجعلوا الاستعارة التخييلية إثبات الأمر المختص بالمشبه به على سبيل التخييل، كإثبات اليد للريح، وذلك في الاستعارة المكنية، والعلوي يخلط في نقاشه بين مذهبي الزمخشري والسكاكي اللذين جعلا الاستعارة تصريحية تحقيقية، ولكنهما اختلفا في معناها أهو عقلي أم حسي، فذهب الزمخشري إلى أنه عقلي يتصل بتشبيه الجوع باللباس بجامع الاشتمال، وذهب السكاكي إلى أنه حسي يتصل بما يعتري الإنسان في جوعه وخوفه من امتقاع اللون ورثاثة

(١) الخطيب القزويني، ١٩٥٣، الإيضاح، دار محمد علي صبيح، القاهرة، ص ٢١٤.
(٢) هو يحيى بن حمزة الحسيني العلوي الطالبي، من أكابر الزّيدية وعلمائهم في اليمن ولد في صنعاء، وتوفي في حصن هران سنة ٧٤٥ هـ من تصانيفه «الطراز» و «الانتصار في الفقه» و «الإفحام لأفئدة الباطنيّة الطّغام» و «الحاوي» في أصول الفقه، انظر: الأعلام: ٩/ ١٧٤.
(٣) سورة النحل، الآية: ١١٢.
(٤) العلوي، يحيى بن حمزة، الطّراز: ١/ ٢٣٥.


الصفحة التالية
Icon