يكن هنالك موقف خاص في تصوير جماليات الإيحاء المادي للكلمة المستعارة، وظلّت مسألة التعبير الحسي مبهمة، واهتم النقاد- جميعا- بتقرير الإشارة وتمكينها في العقل، وتصوّروا أن تشكيل الاستعارة المادي يوجد بمعزل عن فاعلية المعنى والسياق».
ولعلنا نلمس في القول آنف الذكر إجحافا بما بذله القدامى، وما يمكن أن يسمّى تأمّلا فعّالا، فالقدامى أدركوا هذه الجمالية التي افتقدها الباحث المعاصر، وذلك مع تأطير كلامهم بالإطار العقلي، كما أنهم تنبهوا إلى أهمية المفردة المستعارة في التصوير الحسي، وعرفوا أنها علّة الإثارة الوجدانية، فلم يكن هذا بعيدا على سبيل المثال عن الشريف الرضي أو الزمخشري أو ابن أبي الإصبع.
ولا يمكن أن نعتمد هذا التعميم، فإنه إن صح في نقد الشعر، فهو أبعد ما يكون بتعميمه على بلاغة القرآن لدى القدامى، على الرغم من أن رجال البلاغة يصدرون أبوابهم بالشواهد القرآنية، ويدرسونها على اختلاف الأذواق، ولا يجوز النظر إلى الأسلاف بمنظار عصري، لذلك نرى أن هذا القول أيضا يتعارض وروح الدراسات السابقة.
- مع المحدثين:
تختلف نظرات الباحثين في العصر الحديث إلى تجسيم المفردات القرآنية، فبعضهم يرى هذا التجسيم في الأصوات أي ما يدعى «بالاونوماتوبيا»، وبعضهم لم يحدّد المصطلح فجعله في حيّز أكبر هو التصوير بشكل عام، فيقرنه بالتشخيص والتمثيل والتخييل، وربما أعاد بعضهم مصطلحات القدامى وتقسيماتهم للصورة الفنية، ومنهم من اكتفى بإشارات بسيطة.
أما أضخم كتاب في هذا المجال فهو «في ظلال القرآن» لسيد قطب ثم كتاباه «التصوير الفني» و «مشاهد القيامة».
ومن أهم كتب الدراسة القرآنية التي نهل منها المحدثون كتاب أحمد بدوي «من بلاغة القرآن» الذي عدّ منارة لغيره، وسوف نعرض لبعض آرائهم


الصفحة التالية
Icon