الرماني يهتم بفنية التجسيم في قوله «ما لم تجر به عادة».
ونقف هنا عند ابن قتيبة في شاهد، ثم ننتقل إلى ابن ناقيا البغدادي «١»، لنلمس فرق التذوّق، ففي الآية الكريمة: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ «٢»، يقول ابن قتيبة: «يريد أنها لا تعي خيرا، لأن المكان إذا كان خاليا، فهو هواء، حتى يشغله الشيء» «٣».
يكاد يسير على منهج أبي عبيدة الذي يردّ المفردة من حيّز المجاز إلى حيّز يقرّب الاستعارة من العقل، وتترك الظّلال النّفسية للقارئ، فيفهم تجميد هذه الأفئدة التي صارت هواء لا يستقرّ، ولا يتّخذ جهة محددة، ففي الكلمة هبوط بالمستوى الإنساني، ونزع للتعقّل باستخدام الجماد الفارغ.
وقد وضع ابن ناقيا كتابه «الجمان في تشبيهات القرآن» ونخصّه بالذّكر، لأنه امتاز بأنّه قصد إيراد كلّ تشبيهات القرآن، ونقف عند استشهاده بالآية الكريمة: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ «٤»، فهو يقول: «شبّههم بخشب نخرة متآكلة دخلة، إلا أنّها مسنّدة يحسب من رآها أنّها صحيحة سليمة» «٥».
وهو يشير إلى تناقض الشكل والمضمون الذي تحدّث القرآن عن وجوده في تصرّفات المنافقين بأساليب متعددة، فأجسامهم تعجب، وألسنتهم عذبة الكلمات، وفي خبايا نفوسهم يستقرّ المكر، وكذلك أشار إلى تقييد الصورة بإسناد الخشب الذي يخلو من المنفعة إلى الحائط.
٤/ ٢٦٧.
(٢) سورة إبراهيم، الآية: ٤٣.
(٣) ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، تأويل مشكل القرآن، ص/ ١٠٥.
(٤) سورة المنافقون، الآية: ٤.
(٥) ابن ناقيا البغدادي، عبد الله بن محمد، ١٩٦٨، الجمان في تشبيهات القرآن، تح:
د. أحمد مطلوب ود. خديجة الحديثي، ط/ ١، دار الجمهورية، بغداد، ص/ ٢٤٣.