تصوير القبح من المعاني السامية، فهو قبح غير هادف، إذ يرتكز الهجاء على معاني القبح في شعرنا العربي.
ولا شكّ في أن القرآن بثّ الجمال في الإتقان الفني لدى تصوير القبح من غير إهمال الوظيفة السامية للصورة المؤثّرة، ولعلّ هذه العجالة المتواضعة تؤكد أن القرآن في ترهيبه يصوّر القبح بطريقة مؤثّرة غاية التأثير، خصوصا في السور المكية، فنجد شجرة الزّقّوم، وامتلاء البطون بالنار، والماء الذي يشوي الوجوه والثياب النيرانية، والمقامع الحديدية والصّديد.
وهذا لا يبعث على الرعب الخالص أو القرف وحده، كما يكون أحيانا في الفن، إنما يطغى شعور بالرّهبة والخضوع لصاحب الهيبة العظمى، والحيوان مسخّر لصالح البشر، ولا يعني ذكره في الصورة إلا تأكيدا لبعض الخصوصيات والاستفادة منها للتعبير، ولا سيّما الأنعام.
ولا بدّ من التأكيد على أن القرآن يبيّن أهمية الجماد والحيوان، فهما من مخلوقات الله عز وجل، وقد أقسم القرآن بالجماد، مثل: الصبح والنجوم والكواكب، وبالنباتات، مثل: التين والزيتون، لتدلّ هذه الأشياء على عظمة الخالق، وقد اختار في الصورة الفنية النبات، وأحكم اختياره بنزع صفة الحياة عنه عند ما وصف الكفار، فالخشب مسنّدة، والعصف مأكول، وأعجاز النخل منقلعة من جذورها.
أما في وصف المؤمنين فقد اختار النبات الحي، قال عز وجل: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ «١» فالتشبيه بالزّرع ينمّ على حيوية ونشاط، وخصوصا بإحكام المشبّه به بمؤازرة الشّطء والاستغلاظ والاستواء، مع ما تفيد الفاء من سرعة في النماء.
ونستنتج أن القدامى وقعوا على المدلول الفني لذكر مشاهدات الطبيعة، وذلك وفق مصطلحاتهم الدقيقة، وأنهم فهموا اقتصار الصورة الفنية على الجانب القبيح من الحيوان، وذلك بدءا من الجاحظ.