ونريد في هذه الصفحات أن نبيّن تأثير انتقاء المفردات التي يكمن فيها هذا الفنّ، وهو في كتب البلاغة أدخل في الاستعارة، كما سنبيّن، لأن المفردة المشخّصة تستعار من الإنسان للجماد، لبثّ روح فاعليّة الإنسان في الأشياء.
وقد رأينا في استعارة الجماد والأحياء ما يوحي بهبوط الأسس الانسانية في الكافرين، وهاهنا نرى في التشخيص صعودا بالأشياء، لتأخذ صفات بشرية، تساعدها على التأثير.
ولعل من جماليات هذا الفن أنه يلقي الطمأنينة في نفس القارئ، عند ما يقدّم له مثيله في رفع مستوى الأشياء، فيتلاشى الشعور بالغربة والانعزال، وهكذا يجعل التشخيص المعالم كائنات عاقلة أو أشخاصا، فيشعر المرء بمشاركتها الوجدانية.
ومن الدليل على بحث المرء عن قرينه في الفن، ليتوحّد مع الأشياء، أنه يشخّص الكثير من الأعمال الفنية، فيجعل لها صفات بشرية، كما جاء عن الفئة المشخّصة التي تجعل من الأعمال الفنية أشخاصا، وربّما وصف اللون بالخامل أو العنيد أو النشيط «١».
وهذا توسّع في الكلام حتما، ومن باب المجاز المساعد على التخييل، ولعل التشخيص أبعد الفنون عن المباشرة في توصيل الكلام، بل هو نوع من التخييل البعيد كما يرى سيّد قطب «٢».
وفائدته أنه يمتلك مخزونا مؤثّرا في توسيع رقعة الخيال لدى المتلقّي، وليس تلك النّقلة العادية في مجال الاستعارة، فهذه النّقلة تعني التحوّل من مجال الإخبار إلى مجال الرؤية بواسطة الخيال، فيضاف هنا إلى المسألة الاخبار المباشر عمق التأثير.
ويقول مجيد عبد الحميد ناجي: «التشخيص ينقل الصورة من مجرّد
(٢) انظر كتاب قطب، سيد، التصوير الفني، ص/ ٦٣.