ولدى الاستعانة بهذا يمكننا أن نعرض بعض المفردات التي خفي جمال حركتها على الدارسين، فلم يتأملوه حقّ التأمل، ولعلّ من أسباب هذا الخفاء أنهم تواكلوا على شواهد سابقهم، فحين أراد البيان القرآني التعبير عن ضعف المسلمين وحماية الخالق لهم نقرأ قوله تعالى: تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ «١»، ففي الخطف قوة المعتدي، وضآلة المعتدى عليه، وهنا تبرز أهمية العناية السماوية، وكأن المسلمين في مكة حينذاك دمى يلتقطها بقوة فرسان أهل الأرض، كما دل التعبير ب «الناس» على هذا.
ونقرأ عن انقلاب سحرة فرعون بعد رؤية البرهان الإلهي في المعجزة:
وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ «٢»، وهذا يصوّر الشعور القوي الذي ترسّخ في أعماقهم، فنفضوا غبار الكفر، وسجدوا للقوة العليا، وكأن الشعور الجديد قد ألقى بهم على الأرض ساجدين، ومما يضاف هنا أن الفعل مبني للمجهول لتصوير القوة الخفية الحقيقة بالعبادة، والإنابة إليها، وهنا يثار الخيال لتصوّر شيء يضغط على الجسوم فتجسّد مستسلمة.
ومن المفردات الكثيرة ما جاء في قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ «٣»، إنه السّعي الذي يكون أسرع من المشي.
وكذلك سعي الرجل المؤمن في قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى «٤» ليدافع عن موسى عليه الصلاة السلام، فالسّرعة مطلوبة في هذا الموقف لانسجامها مع الدافع الشعوري القوي.
وفي قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى «٥» عن ابن أم مكتوم الرجل الأعمى، إذ يصوّر لهفة هذا الأعمى إلى تعلّم الدّين، فليس وجود «يسعى» هنا
(٢) سورة الأعراف، الآية: ١٢٠.
(٣) سورة الحديد، الآية: ١٢.
(٤) سورة يس، الآية: ٢٠.
(٥) سورة عبس، الآية: ٨.