الشّطر الآخر من صفة فاعليّتها الظاهرة.
وقد عني القدامى بالحركة السريعة القوية، لأنها أدعى للتذوق الجمالي لارتباطها بالاستعارة، وكأنهم مروا بجمالية البطء في بعض المفردات، ولمسوا فيها حياد المباشرة، فلم يلتفوا إليه، ونسرد هنا بعض المفردات ونبيّن ما جاء في ربطها بالمدلول النفسي وموافقتها للموقف.
وللخطّابي لمحة جيدة من خلال إحالتنا إلى الفروق اللغوية عند ما يذكر قوله تعالى حكاية عن المشركين: أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ «١» إذ يقول متملّيا جمال لفظ المشي وموافقته للموقف: «بل المشي في هذا المحلّ أولى، وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد به الاستمرار على العادة الجارية، ولزوم السّجيّة المعهودة في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك لأن المشي أشبه بالثّبات والصبر المأمور به، وفي قوله: امضوا وانطلقوا زيادة انزعاج ليس في قوله «امشوا» والقوم لم يقصدوا ذلك» «٢».
وكأن الخطابي يريد أن يقول: إن المشي أكثر من العدو والسعي، وهو لذلك ألصق بالطبع، بالثابت، ويعبر في بطئه ونمطه المعهود عن عدم مبالاة المشركين بما سمعوا، وعن إصرارهم على الكفر.
وإنها للحركة الدالة على ارتياح، فهي توافق الدافع الشعوري، وتترجمه إلى واقع حسي، وهذه سمة رفيعة امتاز بها القرآن الذي يحيل السّرد إلى مشاهد منظورة قاصدا غاية التأثير.
وهاهنا لمسنا أن الحركة البطيئة تصوّر الحالة الشعورية، وقد قال جويو عن الحركة الانسيابية: «فما هي الحركة التي تشعرنا إذ نحدثها أو نشاهدها بأنّها رشيقة؟ إنها الحركة التي توهمنا بأنها خالية من كلّ جهد عضليّ، فنرى الأعضاء تتحرك حرة طليقة كأنما يحرّكها النسيم» «٣».
(٢) الخطابي، حمد بن محمد، ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٣٩.
(٣) جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر: سامي الدروبي، ص/ ٤٣.