ويعدّ الرماني المنظر الأول لهذا الفن في القرآن، إذ سبقه الجاحظ بالنّظر في سياق المفردات بشكل عام، ولم يخصص كلامه حول القرآن، وهو يحيلنا كما نرى إلى القرن الثاني الهجري الذي كان فيه الخليل قد تعمّق في الثقافة الموسيقية، واكتشف البحور الشّعرية، ووضع معجمه على أساس صوتي.
ويبدو جليا أن هذه النظرة الحسّيّة في تلقّي الصورة الصّوتية يواكبها بيان واضح للأثر النفسي، فالنّفس لا تميل إلى المتنافر، وكأنه يغلق أبواب الفهم، فتصعب ترجمة الدّلالة.
بيد أنّ الرماني لم يدعم كلامه بالشواهد القرآنية وغير القرآنية في هذا المجال، وهذا يعود لصغر حجم رسالته، ولإدراكه تصديق هذا الكلام بمجرّد سماع الآيات القرآنية، فكلّ القرآن الكريم دليل على صحّة نظريّته، حيث لا تثقل كلمة واحدة فيه على اللسان والأذن.
وملاحظته هذه وليدة التدبّر العميق للقرآن، وتفهّم طبيعة اللغة العربية البليغة التي تستعمل، بله اختيار القرآن الكريم.
إذن فقد فسّر الجاحظ جوانب الوعورة والخشونة والتقعّر في العربية، بينما دلّ الرماني على سهولة المخارج في القرآن بشكل خاص، فكلاهما يقدم تفسيرا مقتضبا لمفهوم الوعورة وغيرها، وفي هذا يقول محمد زغلول سلام:
«ملاحظة الرماني لصلة الجمال اللفظي بسهولة حركة اللسان جديرة بالإشارة، إذ خرج الرماني عن حدود الأقوال إلى التجربة والملاحظة، وقديما ذكر اللغويون اللفظ الوحشي، واللفظ الوعر، ولم يذكروا سببا للوحشيّة ولا للوعورة» «١».
والحقّ أنّ الرماني قدّم تفسيرا، ولم يصل إلى نطاق التجربة، ولم يتغلغل في ماهيّات أصوات القرآن، وكأنّه اكتفى بالأمثلة الحافلة التي قدّمها غيره حول الثّقل، لأنّه كتب رسالة مختصرة.