وقد نصب ابن الأثير نفسه منظّرا لجمال المفردة شأن سابقه ابن سنان، بيد أنه أضاف تطبيقات من القرآن الكريم، يقول: «ومن له أدنى بصيرة يعلم أن للألفاظ نغمة لذيذة، كنغمة أوتار، وصوتا منكرا، كصوت حمار، وأن لها في الفم حلاوة، كحلاوة العسل، ومرارة كمرارة الحنظل» «١».
إنه يحكّم معيار التذوق الحسّي بعيدا عما يقنّن، وهذا التذوق ليس فرديا، بل يرتبط بالذوق الفطري الذي ينبذ ما هو ثقيل على الآذان والنّطق.
وقلّد ابن سنان فاعتمد على معياره، وراح يسفّه رأي من لا يفرّق بين السّيف والخنشليل. ويقول: «ومن يبلغ جهله إلى أن لا يفرّق بين لفظة الغصن والعسلوج، وبين لفظة المدامة، ولفظة الاسفنط، وبين لفظة السيف، وبين لفظة الخنشليل، وبين لفظة الأسد، وبين لفظة الفدوكس، فلا ينبغي أن يخاطب بخطاب ولا يجاوب بجواب» «٢».
وفي هذه الأمثلة يظهر أثر العصر، فبيئة الجاهلي لا تستبعد كلمة (بعاق) ولا تستهجن خشونتها، لأن الطبيعة كانت تميل إلى الخشونة.
وإذا طبّقنا رأيه في الآية: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ «٣»، فهذا يدعونا إلى تفضيل المزن على البعاق كما أراد ابن الأثير، والمزن هاهنا تساهم في النّسق
الموسيقى، إذ يتكرر حرفا النّون والزّاي.
وبما أن الموقف موقف استلطاف واستمالة قلوب مع ذكر النّعم، فإنّ لفظة البعاق، وتظلّ بعيدة، ونافرة غير لائقة بالسّياق الموسيقى، وكذلك لم يرد مثل هذه المفردة في القرآن، ولعل مما يكره، ويعدّ تفسيرا لتذوق ابن الأثير، أن يفصل بين العين والقاف بمدّ، وهما متقاربان حلقيّان، والقرآن ذكر «عقر» و «يعقلون» و «عقد» وغيرها.
هنالك وقفة حاول فيها ابن الأثير الاقتراب من التوضيح، يقول تعالى:
(٢) المصدر نفسه: ١/ ١٥٠.
(٣) سورة الواقعة، الآية: ٦٩.