ونخلص مما سبق إلى أن النون والذال ليستا من حروف الإطباق، بل هما من حروف الانفتاح «فيبتعد اللسان عن النّطق بها عن الحنك الأعلى تاركا فتحة يمرّ فيها الهواء والصوت» «١».
فالضّمّة في هذه الفاصلة مرقّقة بسيطة بذاتها، لأنّها ارتبطت بهذين الحرفين، وهنا يحضرنا قول جويو: «إن الجرس إنّما هو انسجام بين النّغمة الأساسية والأصوات الثانوية- فإذا سمعته الأذن شعرت بالطّرب الذي تشعر به حين تسمع أيّة موسيقا» «٢».
وهنا يريد بالجرس حلاوة الصوت العام، ولا يختصّ بالحرف وحده، وقد رأى أن الجمال ينشأ من ملاءمة الحركة للحرف، وهذه طبيعة الإيقاع القرآني.
ولا علاقة للنظم الموسيقى الكلي في الآية بكل فاصلة، كما رأى الرافعي إذ يصعب أن يفسّر الأمر على الشكل الذي ارتآه الرافعي، والضمّة أخيرا ليست بالحركة الثقيلة مما يستعصي على اللسان نطقه، إنّما هي أقل خفّة من الفتحة فالأمر نسبي.
ولا يمكن أن ندّعي أن الموسيقا القرآنية شيء مستقلّ عن المعنى في نظر الرافعي، فهي ليست موسيقا خالصة ونقوشا زائدة، وهو يدرك أن التلازم بين الشكل الموسيقى والمعنى أمر مفروغ منه، بيد أنه ركّز اهتمامه على جانب الشكل، فالموسيقى القرآنية عملية تطريب وتنغيم، ولم يخصّص بحثه لرمز الجزئيات الموسيقية.
ونرى أن ثقل الضمة ليس ثقلا حقيقيا، بل يمثّل مغايرة في الفاصلة، إذ تقوم الضمّات بعملية تنبيه للفكر عند آخر محطة من الكلام وهي الفاصلة، فكلّما وصلنا إلى آخر الآية قفزت إلى الذهن معاني التّهديد من خلال مغايرة السّياق الموسيقى، وتأكيد هذا أن الوقوف عند فواصل سورة القمر واجب،
(١) ابن عبد الفتاح القارئ، قواعد التجويد، ص/ ٤٣.
(٢) جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر: سامي الدروبي، ص/ ١٤٧.