ولا نريد من الباحث أن يبسط الجمال الموسيقى بمعزل عن دلالة الموقف، وهذا ما أخذناه على الرافعي، وكذلك لا نريد أن يربط الباحث ربطا قسريّا بين طبيعة الصوت والمعنى، مما يكون منشؤه الإسقاط الشخصي.
وقد رأينا للدكتور نور الدين عتر لفتات جيدة في هذا المضمار، فهو لم ينفكّ يربط بين الجمال الموسيقى والفكرة، ويرى أن الموسيقا تساعد على جلاء الفكرة في الآيات، وتساعد على التصوير، وذلك في تفسير الآية: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ «١». ويقول الدكتور عتر: «أما الحاجّة بالدّليل فنجد أنّ النّغم الموسيقى يرتفع بتلاحق الحركات في كلمة «قل أرأيتم» التي ذكرت مرتين، ثم في هذا الاستفهام «من إله» والاستنكار «أفلا» فيملأ الأذن بحركات ذات قوّة خاصة تبرز في السّياق، لتكون عامل إيقاظ وتنبيه» «٢».
فلكي يكون أكثر منهجية ووضوحا ألمح إلى تعاضد النّظم للموسيقا، كما في الاستنكار والاستفهام، ويمكن أن نضيف إلى هذا قوله عز وجل: «أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ «٣»، فإنّ نغمة تلاحق الحركات في كلمة «أفحسب» تعضد الاستفهام الإنكاريّ التّوبيخيّ الدّالّ على تقريع، لتبيّن سفاهة الكفار، وتبرز الحجّة عليهم.
وفي تفسير أواخر سورة الكهف يقول عن فاصلتي الآيتين: وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً «٤»:
«ثم يأتي الإيقاع القرآني قويا في النّفس، في وصف الجموع في الحشر يوم القيامة، باستعماله البديع للمصدر المؤكّد «جمعا» و «عرضا» بما فيهما من تقوية للمعنى، وما فيهما من التنكير والتنوين اللذين يطلقان أعنّة الخيال، كما
(٢) عتر، د. نور الدين، القرآن والدراسات الأدبية، ص/ ٣٠٤.
(٣) سورة الكهف، الآية: ١٠٢.
(٤) سورة الكهف، الآيتان: ٩٩ - ١٠٠.