ما يستحوذ على اهتمامنا أنّ هناك النظرية الاعتباطية التي تنفي العلاقة بين ماهية الصوت وبين دلالته، وذلك على عكس نظرية المحاكاة التي ترى أنّ الصوت يحاكي الطبيعة، وأنّ لهذا بقايا ثابتة في المخزون اللغوي المتداول.
ونظرية المحاكاة آخذة في القدم، وقد «كان سقراط وأفلاطون ممّن يرون أن الصّلة بين الأصوات والمدلولات طبيعية حتمية، في حين أنّ أرسطو كان يراها صلة عرفية لا تعدو أن تكون بمنزلة رمز اصطلح الناس على وصفه للمدلول» «١».
ونلحظ مما سبق أنّ المنظّرين الجماليين المثاليين يحتّمون المحاكاة، ومنهم سقراط وأفلاطون، وأنّ هذه القضية شغلت كبار الفلاسفة، مما يحدو بنا إلى القول إنها قضية فكرية قديمة قدم الفلسفة، وكانت هذه النظرة تقتصر على وصف مشاهد الطّبيعة.
- جذورها في تراثنا:
لقد ذهب عبادة الصيرمي وهو من المعتزلة إلى أن دلالة اللفظ على معناه بذاته لا بالوضع، وقد غالى في ذلك، وعند ما سألوه عن معنى «إذغاغ» في لغة البربر، قال: «أظنها الحجر» كما استشفّ من أصواتها «٢».
ومن الأسلاف العرب الذين أخذوا بجانب من هذه النظرية، ولم يعمّموا، فقيه اللغة العالم ابن جني، وقد عرّج على هذه الفكرة في بابين من كتابه النّفيس «الخصائص» وهما «باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني» و «باب إمساس الألفاظ أشباه المعاني».
ومما يفيد بحثنا أن أبا الفتح بن جني دعم رأيه بمفردات من القرآن الكريم، إضافة إلى شواهد من اللغة العربية، فذكر الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا «٣»، وقال: «أي تزعجهم
(٢) انظر السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها: ١/ ١٤٥.
(٣) سورة مريم، الآية: ٨٣.