الشين، ولا سيما وهي مدغمة» «١».
فالحركات تقوم بمكاتفة للحروف في عملية التجسيد، وهذا ما سيتضح أثره في بحوث الإعجاز الحديثة.
ووجد الباحثون الجدد أن هذه النظرية- كما هو واضح في المخزون اللغوي- لا تستوفي كل المفردات، ففي اللغة ما هو رمزي وصل إلى مرحلة التّجريد، وليس له علاقة بالطبيعة، وما هو وصفي احتفظ بتلك العلاقة، وبهذا نوّه المجذوب، ويلتقي معه في هذا الرأي إبراهيم أنيس وصبحي الصالح، وعلي عبد الواحد وافي، إذ يقول: «أما النوع المحتفظ بوصفيّته نحو زحير وزفرة وصهصليق وأملس وزمهرير، ونعني بالوصفية هنا أن الواضع راعى في مدلولات هذه الكلمات صفاتها الواضحة المدركة بالحواسّ، وحاول تقليدها بحروف منها مشابه من هذه الصفات» «٢».
خلاصة القول أن الوصفية مرحلة أولية من نشأة اللغة، وهي تتّسم بالطابع الحسّي، كما أن شدّة لصوقها بالحواس البشرية، تجعلها مثيرة لهذه الحواس عند ورودها في القرآن الكريم، وتزيد التأثير الوجداني في النفس، وهذه السّمة موجودة في كل اللغات الإنسانية، خصوصا أن هؤلاء الدارسين يذكرون شواهد أجنبية إلى جانب الشواهد العربية.
ونستنتج من هذا التمهيد أن «الأونوماتوبيا» ليست مجرد تأثّر بالنقد الغربي الحديث، فجذورها موجودة في الموروث اللغوي العربي، وما هي إلا هذه المصاقبة أو هذا الإمساس اللذان ذكرهما ابن جني، ولا يستبعد أنه قد اعتمد ملاحظات سابقيه، وأن التّنبيه إلى هذه الظاهرة مبكّر من زمن الخليل وسيبويه «٣»، وقد استشهد بهما في هذين البابين من كتابه.

(١) ابن جني، الخصائص: ٢/ ١٦٣.
(٢) المجذوب، عبد الله الطيب، المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها، ص/ ١٢.
وانظر أنيس، د. إبراهيم، دلالة الألفاظ، ص/ ٢٣، ١٨٦، والصالح، د.
صبحي، دراسات في فقه اللغة، ص/ ١٨٥، ووافي، د. علي عبد الواحد، فقه اللغة، ص/ ١٧١.
(٣) هو عمرو بن عثمان فارسي الأصل، اسمه يعني رائحة التفاح ولد في شيراز،


الصفحة التالية
Icon