ويمكن أن تدلّ خصوصية الموقف على تصوير كلمة «سآوي» لمشهد ذلك الابن اللامبالي المتعجرف الذي يردّ على نصيحة أبيه بتراخ وفتور، وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يلتمس في مادة الصوت نفسها إذا قرأنا قوله تعالى: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ «١».
وينبّه أحمد بدوي إلى هذه الجمالية قائلا: «وهناك عدد كبير من الألفاظ تصوّر بحروفها، فهذه الظّاء والشّين، في قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ «٢»، والشين والهاء في قوله تعالى: سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ «٣»، والظّاء في قوله تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى «٤»، والفاء في قوله تعالى: سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً «٥»، حروف تنقل إليك صوت النار مغتاظة غاضبة، وحرف الصّاد في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ «٦»، يحمل إليك صوت الريح العاصفة، كما تحمل الخاء في قوله سبحانه: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ «٧» إلى أذنك صوت الفلك تشقّ عباب الماء» «٨».
صحيح أن معطيات فقه اللغة هي التجربة الإنسانية المتكررة، فهي تلاحظ من خلال فعلها، ولكن الدارس هو القارئ المثقّف، فيجب أن توضع هذه الأحكام ضمن العلم، أي ضمن دراسات الأسلاف الذين ربطوا بين طبيعة الصوت وبين مظاهر الطبيعة، وإن اقتصروا على بعض المفردات، ودلّوا على يقين يدفع الاحتمال.
والجدير بالذكر هنا أنّ هذه الحروف المصوّرة التي تحدث عنها بدوي هي حروف احتكاكية، يقول كمال بشر في تعريفها: «تتكون الأصوات الاحتكاكية
(٢) سورة الرحمن، الآية: ٣٥، والشّواظ: اللهب.
(٣) سورة الملك، الآية: ٧.
(٤) سورة الليل، الآية: ١٤.
(٥) سورة الفرقان، الآية: ١٢.
(٦) سورة القمر، الآية: ١٩.
(٧) سورة فاطر، الآية: ١٢.
(٨) بدوي، د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ٦٩.