دون مرضع، قلت: المرضعة هي التي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصّبيّ، والمرضع التي من شأنها أن ترضع، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به، فقيل: مرضعة، ليدلّ على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه، وقد ألقمت ثديها نزعته، لما يلحقها من الدّهشة» «١».
وبناء على هذا يكون «المرضع» اسما عاما، وتتخذ كلمة مرضعة فاعليّة كبرى، فتناسب هول هذا اليوم، ومن عادة الزمخشري أن يقلّل من البحث في القانون اللغوي، لينتقل مباشرة إلى الإيحاء النفسي الخاص بالنصّ.
وقد قال المبرّد عن المؤنث: «فمتى أفاد الفعليّة لزمته علامة التأنيث حتى يضارع فعله، كقولك أشدنت الظّبية، فهي مشدنة، وطلّقت المرأة، فهي طالقة» «٢». ويذكر الشاهد القرآنيّ نفسه، ويقال: مشدن ومشدنة، وطالق وطالقة، ومرضع ومرضعة.
ويعلّق عليه صبحي الصالح: «وكأنّ المبرد بهذه التفرقة الدقيقة يميز الوصف القائم بالنفس من الحدث العارض الذي هو من أفعال الذّات، وفي تجشّمه هذا التعليل المنطقيّ لعلامة التأنيث في الآية إيحاء بصعوبة التّحليل فيما سمع من الشواهد الأخرى» «٣».
ونجد أنّ الزمخشري يصبّ اهتمامه على تصوير الحدث، وكأنما أدرك عدم اطّراد هذا القانون في كل تأنيث، فالحيز النفسي هو المهم عنده.
ونراه يستشفّ طبيعة الحركة المرئية في الصيغة، وكأنما يقول بالمحاكاة، من غير أن يميل إلى الوهم فيما يبدو لنا، وذلك في تفسير الآية: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ «٤»، يقول: «فإن قلت: لم قيل:
«ويقبضن»
، ولم يقل: قابضات، قلت: لأن الأصل في الطيران هو صفّ

(١) الزمخشري، الكشاف: ٣/ ٤، وانظر النسفي، مدراك التنزيل: ٣/ ٩٢.
(٢) مخطوطة «المذكر والمؤنث» نقلا عن صبحي الصالح، دراسات في فقه اللغة، ص/ ٨٤.
(٣) الصالح، د. صبحي، دراسات في فقه اللغة، ص/ ٨٤.
(٤) سورة الملك، الآية: ١٩.


الصفحة التالية
Icon