ويمكن ان نتلمّس معاني القوة في شواهد كثيرة مثل قوله تعالى: تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ «١»، إنه يظهر نعمته على قريش، فيؤثر فعل «يتخطّف» لا «يخطف»، ففيه زيادة التاء والتشديد، بالإضافة إلى اختيار فعل الخطف الذي يفيد قوة المعتدي وبطشه، وبالمقابل يفيد سهولة خطف المعتدى عليه، وذلك لتظهر جليّة رحمة الله وعنايته بهم.
- إنصاف القدامى:
لا يحقّ لباحث معاصر أن يسفّه القدامى، وينظر إلى جهودهم من خلال نظريات حديثة في النقد، ويجب أن ننبّه إلى أنهم لم يكونوا مقصّرين في مجال الإحساس بجمال الصيغة، فقد أوردنا بعضا من تأملاتهم.
والحقّ أن جمال الصيغة لا يمكن أن يخفى على الدارس القديم، إذ يتمتع بمقدرة لغوية فائقة، فقد لمسوا فيها أسلوب الإيجاز، وتصوير الحركة المرئية، ومساعدة الصيغة على إكمال الصورة البصرية، ومساعدتها على كشف إيحاءات فنية رائعة، كما يتضح في فصول أخرى من البحث.
إن الباحث القديم يحكّم المفهوم اللغوي، ثم يحكّم ذوقه في كشف ظلال الصيغة، وذلك من غير توهّم أو تقوّل، فإذا ردّنا إلى اللغة اقتنعنا بمعياره، وإذا ردّنا إلى الإيحاء النفسي وفق التجربة الإنسانية وجدنا الأثر في النفس قائما.
وإن من الإجحاف أن ننكر ما جهد القدامى فيه كما يقول أحد المعاصرين:
«إذا صحت هذه الملاحظة، وصحّ أن تفاعلات التشكيل الصرفي تتداخل مع تفاعلات المعاني والإيقاع، فإن الموقف النقدي القديم يحتاج إلى تعديل أساسي، أو يبدو غير مقنع».
وهو يريد أن يقول: إن القدامى لم يربطوا بين التشكيل الداخلي وبين تغيرات المعنى، وكأنما لم يسهب أسلافنا في باب «زيادة المعنى لزيادة المبنى»، ولم يقدم الزمخشري- مثلا- خصوصية صيغة ما، وملاءمتها للمعنى المطلوب، ولم تقتصر الصيغة على معنى الزيادة كما جاء في الكشاف، فإذا