ما يكون «١».
فقد اكتفى البيان القرآني بالهمّة والقصد، فما قرأنا انكشاف صدر، أو نزع ثياب، أو تأوّهات، كما هي الحال في كثير من الأدب الروائي، مما يثير الغرائز الحيوانية، ويستفزّ النوازع المريضة.
وضّح القدامى هذه الجمالية في معرض حديثهم عن الأسلوب الكنائي في القرآن، ونحن إذا قلّبنا صفحات كتبهم، وطالعنا أبواب الكناية نجد الشواهد الرائعة التي دلّت على ذوق وتدبّر.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد شاهدا يذكره الزّركشي في باب الكناية، وقد نقله السيوطي في باب الكناية أيضا مع غيره من الشواهد التي ذكرها سلفه، ولتوضيح هذا نذكر من الوقفات التي تفرد بها الزركشي ما كان في تأمل الآية:
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ «٢»، إذ يقول: ومن عادة القرآن العظيم الكناية عن الجماع باللّمس والملامسة والرّفث، والدخول والنكاح ونحوهن، فكنى بالمباشرة عن الجماع، لما فيه من التقاء البشرتين» «٣».
فكأن الكناية هنا استلزمت أخذ جزء بسيط من المكنّى عنه، ونجد أن الزركشي يعوّل على الأصل اللغوي، ونظير ما جاء في تفسيره لمعنى الفرج، إذ يقول حول الآيتين: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها «٤»، والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ «٥»: «أخطأ من توهّم هنا الفرج الحقيقي، وإنما هو من لطيف الكنايات وأحسنها، وهي كناية عن فرج القميص، أي لم يعلق ثوبها ريبة، فهي طاهرة الأثواب، وفروج القميص أربعة: الكمّان، والأعلى والأسفل، وليس
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٨٧.
(٣) الزركشي، محمد بن عبد الله، البرهان: ٢/ ٣٣، وانظر السيوطي: جلال الدين الإتقان: ٢/ ١٠٢.
(٤) سورة الأنبياء، الآية: ٩١.
(٥) سورة المؤمنون، الآية: ٥.