فرعون موسى الذي لم يحمل أكثر من لقب طغيانه، وهكذا لم نعرف اسم ذلك الملك الذي رأى في مصر سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ «١»، في قصة يوسف، كما لم نعرف اسم ذلك الملك الذي كان يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً «٢» في قصة موسى وصاحبه «٣».
ولم يقتصر هذا على القصة، فقد ذكر أبو لهب بلقبه، واسمه عبد العزّى وهو طاغية، وكانت سورة المسد إثباتا لاستمراره في الكفر، واللّقب يذكّر بالنار التي تنتظره يوم القيامة.
والقرآن يتجاوز أشياء لا فائدة من سردها في القصة التي كان منهجها تربويا في كتابنا العظيم، فقد كفّ عن ذكر أسماء الصالحين، فلا نعرف اسم صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، ولا اسم من دافع عنه كما جاء في الآية: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى «٤».
فيبدو أنّ الأمر أعلق بالجانب الفني منه بالسمة الخلقية، فالقصد من القصة القرآنية الموعظة، وعلى المؤمن أن يتّخذ نماذج منها تكون بمنزلة مرشد له في الحياة، ففرعون نموذج الشّر والطغيان، وكلّ شرّير فرعون زمانه، وكلّ مؤمن هو يوسف في عفّته، وأيوب في صبره، وسليمان في حكمته.
ويمكن أن نقع على سلبية ذكر الأسماء في الأساطير اليونانية الواردة في الإلياذة مثلا، فهناك حشد من الأسماء، إضافة إلى حشد من الحوادث تمثّل حشوا فارغا.
وأخيرا على الرغم من جهود القدامى التي كانت مفاتيح لنظرات المحدثين رغم ثقافتهم المتقدمة في الأدب والفنّ يظلّ القرآن معينا لا ينضب لمن يرهف الحسّ، ويتسلّح بالذوق الرفيع والتدبر العميق.
وقد نزل القرآن لينهض بالإنسان إلى أسمى المراتب، فليس من الغريب أن

(١) سورة يوسف، الآية: ٤٣.
(٢) سورة الكهف، الآية: ٧٩.
(٣) سالم، أحمد موسى، قصص القرآن، ص/ ٢١٨ - ٢١٩.
(٤) سورة القصص، الآية: ٢٠.


الصفحة التالية
Icon