٣ - سمة الاختزان في مفردات القرآن
إنّ نظرة الباحث في آيات القرآن توحي له بأن الإيجاز مناط السّور المكية، وإن الإطناب أو دقّة التفصيل مناط السّور المدنية، ذلك لأن المرحلة المدنية من نزول القرآن مرحلة تشريع، فتطلّب الأمر بسط الأمور الفقهيّة للمؤمنين، كما هي الحال في سورة البقرة والنّساء والنّور، خلافا لمضامين السّور المكية، فهي تدور حول فكرة التّوحيد، وأمور الغيب والترغيب في وصف الجنّة، والتّرهيب في وصف أهوال النار.
ومن هذا القبيل ما لفت الجاحظ إليه أنظارنا، إذ وجد أن الإيجاز والإطناب من حق ملاءمة المقام، فهو يقول: «ورأينا الله تبارك وتعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي والحذف، وإذا خاطب بني إسرائيل، أو حكى عنهم جعله مبسوطا، وزاد في الكلام» «١».
وهو يرمي إلى تفوّق العرب على اليهود في مضمار الفصاحة، واشتهارهم بقلّة الألفاظ للمعاني الكثيرة، فإذا كان الإيجاز نتيجة للموضوع، فإن النظرة المتفحصة في الآيات القرآنية تؤكّد أن هناك إيجازا أو اختزانا من نوع آخر، وهو يتعلّق بجزئيات مكوّنة للموضوع، ألا وهو اختزان المعاني بمفردات معيّنة، وذلك يطّرد في جميع المواضيع القرآنية، ولا يقتصر على موضوع مخاطبة العرب.
وإننا لنجد الغيبيات وجوانب التوحيد في السّور المدنية، كما نجد وصف الجنة والنار، وكذلك نقرأ مفردات مدنية النزول أغنت عن عبارات مطوّلة، وإن كان الموضوع فقهيا يتطلّب التفصيل.
والقرآن الكريم من جهة أسلوبه المعجز نصّ أدبي يخلو من حواشي الكلام، ومع هذا وافق المنطق والطّبع البشري، وواءم كلّ العصور في تشريعاته، وهذا هو معنى الإحكام والتفصيل كما نصّت الآيات مثل قوله