عز وجل: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ «١»، فمن الطبيعي أن يتحلّى هذا النص الأدبي بما هو مقرّر في فن الأدب الراقي، لذلك يجنح البيان القرآني إلى اختزان المعاني إلى حد مرض لا يصل بنا إلى التعتيم.
إن الإيجاز سمة الأدب الرفيع، ويلحظ في الشعر بشكل جليّ عند استخدام الرموز الموحية، وفي هذا يقول «لاسل آبر كرمبي»: «فن الأدب فنّ استخدام وسائل محدودة لتجارب غير محدودة، فكان لا بدّ للفنان الأديب من أن يعرف كيف يجمع في فنه كل ما احتوته الألفاظ من قوّة التعبير والتصوير» «٢».
فلا بدّ للأدب الرفيع من الجنوح إلى الإيماء، ومن ثمّ تتفاعل النفس مع المعاني العريضة التي يكتنفها اللفظ، وكأنه نواة لكل ما يدور من معان وتفصيلات وظلال نفسية.
ويمكن أن تنسب إلى مواد هذه الفقرة شواهد الجانب التهذيبي التي وردت في الفقرة السابقة، ورأينا ألا نضعها هناك مع قرائنها من الشواهد، لنستطيع توضيح سمة
الاختزان بجميع وسائله في المفردات.
وسوف نبتعد عن اختلاف القدامى في المصطلح، فهذه الجمالية اللغوية موزّعة تحت عناوين الإشارة والكناية والإيجاز والتّلميح والتّلويح والتّعريض، كما أن مفهوم الاختزان هاهنا لا يطابق الإيجاز كما ورد في كتبهم، لأنه يتضمن عندهم الإيجاز في الحذف، كحذف جواب الشرط مثلا، وقد يعني إيجاز الآية بكليتها، وغايتنا الإيجاز في المفردة فقط.
وتتناول هذه الفقرة منهج تذوق الدارسين لجمالية الاختزان، وذلك من خلال نماذج نسردها من بطون كتبهم، والجدير بالذكر أننا لا نعنى بالأقوال العامة المبهمة في إيجاز القرآن، لأننا نقصد سرد تطبيقات واضحة قدر الإمكان، تكون هذه التطبيقات في الوقت نفسه مصداقا لمديحهم المجمل، وتحقيقا لوجهة النظر.
(٢) كرمبي، لاسل آبر، قواعد النقد، تر: محمد عوض محمد، ص/ ٣٥.